اخواني وأحبائي في الله...
مرحباً بكم أحبة القرآن الكريم...
في هذا القسم سوف نقوم إن شاء الله تعالى بشرح وتفسير جزء [عم] كاملاً...
نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا وأن يكون علماً نافعاً لنا جيعاً وأن يعيننا على حفظ وفهم كتابه الكريم...
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى
الاستعاذة من شر الشياطين
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة النَّاس مكية، وهي ثاني المعوذتين، وفيها الاستجارة
والاحتماء برب الأرباب من شر أعدى الأعداء، إِبليس وأعوانه من شياطين
الإِنس والجن، الذين يغوون الناس بأنواع الوسوسة والإِغواء.
* وقد ختم الكتاب العزيز بالمعوذتين وبدأ بالفاتحة، ليجمع بين حسن البدء،
وحسن الختم، وذلك غاية الحسن والجمال، لأن العبد يستعين بالله ويلتجئ
إِليه، من بداية الأمر إِلى نهايته.
الاستعاذة من شر الشياطين
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ
النَّاسِ(3)مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي
صُدُورِ النَّاسِ(5)مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6) }
{قُلْ
أَعُوذُ} أي قل يا محمد أعتصم وألتجئ وأستجير {بِرَبِّ النَّاسِ} أي بخالق
الناس ومربيهم ومدبر شئونهم، الذي أحياهم وأوجدهم من العدم، وأنعم عليهم
بأنواع النعم قال المفسرون: إِنما خصَّ الناس بالذكر - وإِن كان جلت عظمته
رب جميع الخلائق - تشريفاً وتكريماً لهم، من حيث إِنه تعالى سخَّر لهم ما
في الكون، وأمدهم بالعقل والعلم، وأسجد لهم ملائكة قدسه، فهم أفضل
المخلوقات على الإِطلاق {مَلِكِ النَّاسِ} أي مالك جميع الخلق حاكمين
ومحكومين، ملكاً تاماً شاملاً كاملاً، يحكمهم، ويضبط أعمالهم، ويدبّر
شؤونهم، فيعز ويذل، ويغني ويُفقر {إِلَهِ النَّاسِ} أي معبودهم الذي لا
ربَّ لهم سواه. قال القرطبي: وإِنما قال {مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ
النَّاسِ} لأن في الناس ملوكاً فذكر أنه ملكهم، وفي الناس من يعبد غيره
فذكر إنه إِلههم ومعبودهم، وأنه الذي يجب إن يستعاذ به ويُلجأ إِليه، دون
الملوك والعظماء، وترتيب السورة بهذا الشكل في منتهى الإِبداع، وذلك لأن
الإِنسان أولاً يعرف أن له رباً، لما يشاهده من أنواع التربية {رَبِّ
النَّاسِ} ثم إِذا تأمل عرف أن هذا الرب متصرفٌ في خلقه، غني عن خلقه فهو
الملك لهم {مَلِكِ النَّاسِ} ثم إِذا زاد تأمله عرف أنه يستحق أن يُعبد،
لأنه لا عبادة إِلا للغني عن كل ما سواه، المفتقر إِليه كل ما عداه {إِلَهِ
النَّاسِ} وإِنما كرر لفظ الناس ثلاثاً ولم يكتف بالضمير، لإِظهار شرفهم
وتعظيمهم والاعتناء بشأنهم، كما حسن التكرار في قول الشاعر:
لا أرى الموتَ يسبقُ الموتَ شيء نغَّص الموتُ ذا الغِنَى والفقيرا
قال
ابن كثير: هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل "الربوبية" و "الملك" و
"الإِلهية" فهو ربُّ كل شيء ومليكه وإِلهه، وجميع الأشياء مخلوقة ومملوكة
له، فأُمر المستعيذَ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات {مِنْ شَرِّ
الْوَسْوَاسِ} أي من شر الشيطان الذي يلقي حديث السوء في النفس، ويوسوس
للإِنسان ليغريه بالعصيان { الْخَنَّاسِ} الذي يخنس أي يختفي ويتأخر إِذا
ذكر العبد ربه، فإِذا غفل عن الله عاد فوسوس له وفي الحديث "إِن الشيطان
واضع خطمه - أنفه - على قلب ابن آدم، فإِذا ذكر الله خنس، وإِذا نسي الله
التقم قلبه فوسوس" {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} أي الذي يلقي
لشدّة خبثه في قلوب البشر صنوف الوساوس والأوهام. قال القرطبي: ووسوستُه
هو الدعاء لطاعته بكلام خفي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع صوت {مِنْ
الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} {مِنْ} بيانية أي هذا الذي يوسوس في صدور الناس، هو
من شياطين الجِن والإِنس كقوله تعالى: {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ
يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} فالآية
استعاذة من شر الإِنس والجن جميعاً، ولا شك أن شياطين الإِنس، أشدُّ فتكاً
وخطراً من شياطين الجن، فإِن شيطان الجن يخنس
سورة الْفَلَق
الاستعاذة بالله من المخلوقات الشريرة
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة الْفَلَق مكية، وفيها تعليم للعباد أن يلجأوا إِلى حمى
الرحمن، ويستعيذوا بجلاله وسلطانه من شر مخلوقاته، ومن شر الليل إِذا أظلم،
لما يصيب النفوس فيه من الوحشة، ولانتشار الأشرار والفجار فيه، ومن شر كل
حاسد وساحر، وهي إحدى المعوذتين اللتين كان صلى الله عليه وسلم يعوِّذ نفسه
بهما.
الاستعاذة بالله من المخلوقات الشريرة
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(1)مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ(2)وَمِنْ
شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ(3)وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي
الْعُقَدِ(4)وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ(5) }
سبب نزول المعوذتين:
السبب:
قصة سحر لَبيد بن الأعصم اليهودي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كما جاء
في الصحيحين عن عائشة، فإنه سحره في جُفّ (قشر الطلع) فيه مشاطة رأسه صلى
الله عليه وسلم، وأسنان مشطه، ووتر معقود فيه إحدى عشرة عُقْدة مغروز
بالإبر، فأنزلت عليه المعوذتان، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد صلى
الله عليه وسلم في نفسه خِفّة، حتى انحلت العُقْدة الأخيرة، فقام، فكأنما
نشط من عِقال. وجعل جبريل يَرْقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول :
"باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر حاسد وعَيْن، والله يشفيك".
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} أي قل يا محمد ألتجئ وأعتصم برب
الصبح الذي ينفلق عنه الليل، وينجلي عنه الظلام قال ابن عباس: {الْفَلَقِ}
الصبحُ كقوله تعالى: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ} وفي أمثال العرب: هو أبينُ من
فلق الصبح قال المفسرون: سبب تخصيص الصبح بالتعوذ أن انبثاق نور الصبح بعد
شدة الظلمة، كالمثل لمجيء الفرج بعد الشدة، فكما أن الإِنسان يكون منتظراً
لطلوع الصباح، فكذلك الخائف يترقب مجيء النجاح {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} أي
من شر جميع المخلوقات من الإِنس، والجن، والدواب، والهوام، ومن شر كل مؤذٍ
خلقه الله تعالى {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} أي ومن شر الليل إِذا
أظلم واشتد ظلامه، فإِن ظلمة الليل ينتشر عندها أهل الشر من الإِنس والجن
ولهذا قالوا في المثل "الليلُ أخفى للويل" قال الرازي: وإِنما أُمر أن
يتعوذ من شر الليل، لأن في الليل تخرج السباع من آجامها، والهوام من
مكانها، ويهجم السارقُ والمكابر، ويقع الحريق، ويقل فيه الغوث {وَمِنْ
شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} أي ومن شر السواحر اللواتي يعقدن
عقداً في خيوط وينفثن - أي ينفخن - فيها ليضروا عباد الله بسحرهن، ويفرقوا
بين الرجل وزوجه {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ
اللَّهِ} قال أبو حيّان: وسبب نزول المعوذتين قصة "لبيد بن الأعصم" الذي
سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشطٍ ومشاطة وجف - قشر الطلع - طليعةٍ
ذكر، ووترٍ معقود فيه إِحدى عشر عقدة، مغروزٍ بالإِبر، فأنزلت عليه
المعوذتان، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد في نفسه خفة صلى الله عليه
وسلم حتى انحلت العقدة الأخيرة فقام فكأنما نشط من عقال {وَمِنْ شَرِّ
حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} أي ومن شر الحاسد الذي يتمنى زوال النعمة عن غيره،
ولا يرضى بما قسمه الله تعالى له.
توحيد الله وتنزيهه
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة الإِخلاص مكية، وقد تحدثت عن صفات الله جل وعلا الواحد الأحد،
الجامع لصفات الكمال، المقصود على الدوام، الغني عن كل ما سواه، المتنزه
عن صفات النقص، وعن المجانسة والمماثلة، وردت على النصارى بالقائلين
بالتثليث، وعلى المشركين الذين جعلوا لله الذرية والبنين.
توحيد الله وتنزيهه
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4) }
سبب نزول السورة:
أخرج الإمام أحمد والترمذي وابن جرير عن أبي بن كعب: أن المشركين
قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد، انسب لنا ربك، فأنزل الله تعالى:
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ
يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *}.
{قُلْ
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستهزئين: إِن ربي
الذي أعبده، والذي أدعوكم لعبادته هو واحد أحد لا شريك له، ولا شبيه له ولا
نظير، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فهو جل وعلا واحد أحد،
ليس كما يعتقد النصارى بالتثليث "الآب، والابن، وروح القدس" ولا كما يعتقد
المشركون بتعدد الآلهة قال ابن جزي: واعلم أن وصف الله تعالى بالواحد له
ثلاثة معانٍ، كلها صحيحة في حقه تعالى:
الأول: أنه واحد لا ثاني معه فهو نفيٌ للعدد.
والثاني: أنه واحد لا نظير ولا شريك له، كما تقول: فلان واحد في عصره أي لا نظير له. والثالث: أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعض.
والمراد
بالسورة نفي الشريك رداً على المشركين، وقد أقام الله في القرآن براهين
قاطعة على وحدانيته تعالى، وذلك كثير جداً، وأوضحها أربعة براهين:
الأول:
قوله تعالى {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ}؟ - وهذا دليل الخلق
والإِيجاد - فإِذا ثبت أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات، لم يصح أن يكون
واحد منها شريكاً له.
والثاني: قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} وهو دليل الإِحكام والإِبداع.
والثالث:
قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا
لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا} وهو دليل القهر والغلبة.
الرابع:
قوله تعالى {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ
إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ
عَلَى بَعْضٍ} -وهو دليل التنازع والاستعلاء ثم أكد تعالى وحدانيته
واستغناءه عن الخلق فقال: {اللَّهُ الصَّمَدُ} أي هو جل وعلا المقصود في
الحوائج على الدوام، يحتاج إِليه الخلق وهو مستغنٍ عن العالمين قال
الألوسي: الصَّمد السيدُ الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمدُ إِليه-أي يلجأ
إِليه- الناسُ في حوائجهم وأمورهم{لَمْ يَلِدْ} أي لم يتخذ ولداً، وليس له
أبناء وبنات، فكما هو متصف بالكمالات، منزَّه عن النقائص قال المفسرون: في
الآية ردٌّ على كل من جعل لله ولداً، كاليهود في قولهم: {عُزَيْرٌ ابْنُ
اللَّهِ} والنصارى في قولهم: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} وكمشركي العرب في
زعمهم أن {الملائكة بنات الله} فردَّ الله تعالى على الجميع في أنه ليس له
ولد، لأن الولد لا بدَّ أن يكون من جنس والده، والله تعالى أزلي قديم، ليس
كمثله شيء، فلا يمكن أن يكون له ولد، ولأن الولد لا يكون إِلا لمن له زوجة،
والله تعالى ليس له زوجة وإِليه الإِشارة بقوله تعالى: {بَدِيعُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ
صَاحِبَةٌ} ؟! {وَلَمْ يُولَدْ} أي ولم يولد من أبٍ ولا أُمٍ، لأن كل مولود
حادث، والله تعالى قديم أزلي، فلا يصح أن يكون مولوداً ولا أن يكون له
والد، وقد نفت الآية عنه تعالى إِحاطة النسب من جميع الجهات، فهو الأول
الذي لا ابتداء لوجوده، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره {وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} أي وليس له جل وعلا مثيلٌ، ولا نظير، ولا شبيه
أحدٌ من خلقه، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} قال ابن كثير: هو مالك كل
شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظيرٌ يساميه، أو قريب يدانيه ؟ تعالى
وتقدَّس وتنزَّه، وفي الحديث القدسي (يقول الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم
يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إِياي فقوله: لن يعيدني
كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إِعادته، وأما شتمه إِياي فقوله:
اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وأنا الأحد الصمد، الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ
يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ).