تفسير سورة الملك
| الآية الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
** أما تسمية السورة:
قال بن عاشور:
1
- سماها النبي صلى الله عليه و سلم ( سورة تبارك الذي بيده الملك ) في
حديث رواه الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أن سورة من
القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفرت له وهي ( سورة تبارك الذي بيده الملك
).
فهذا تسمية للسورة بأول جملة وقعت فيها فتكون تسمية بجملة كما سمي ثابت بن جابر " تأبط شرا " .
2
- وسميت أيضا ( تبارك الملك ) بمجموع الكلمتين في عهد النبي صلى الله عليه
و سلم وبسمع منه فيما رواه الترمذي عن ابن عباس " أن رجلا من أصحاب النبي
صلى الله عليه و سلم قال له ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا
فيه إنسان " أي دفين فيه " يقرأ سورة ( تبارك الملك ) حتى ختمها فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر "
حديث حسن غريب (قلت: قال الألباني : ضعيف ، و إنما يصح منه قوله : " هي
المانعة .....").
يكون اسم السورة مجموع هذين اللفظين على طريقة عد
الكلمات في اللفظ دون إضافة إحداهما إلى الأخرى مثل تسمية " لام ألف " .
ونظيره أسماء السور بالأحرف المقطعة التي في أولها على بعض الأقوال في
المراد منها وعليه فيحكى لفظ ( تبارك ) بصيغة الماضي ويحكى لفظ ( الملك )
مرفوعا كما هو في الآية فيكون لفظ " سورة " مضافا من إضافة المسمى إلى
الاسم . لأن المقصود تعريف السورة بهاتين الكلمتين على حكاية اللفظين
الواقعين في أولها مع اختصار ما بين الكلمتين وذلك قصدا للفرق بينهما وبين "
تبارك الفرقان " . كما قالوا : عبيد الله الرقيات بإضافة مجموع " عبيد
الله " إلى " الرقيات " تمييزا لعبيد الله بن قيس العامري الشاعر عن غيره
ممن يشبه اسمه اسمه مثل عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أو لمجرد
اشتهاره بالتشبيه في نساء كان اسم كل واحدة منهن رقية وهن ثلاث . ولذلك يجب
أن يكون لفظ ( تبارك ) في هذا المركب مفتوح الآخر . ولفظ ( الملك ) مضموم
الكاف . وكذلك وقع ضبطه في نسخة جامع الترمذي وكلتاهما حركة حكاية.
3 -
والشائع في كتب السنة وكتب التفسير وفي أكثر المصاحف تسمية هذه السورة
سورة الملك وكذلك ترجمها الترمذي : باب ما جاء في فضل سورة الملك . وكذلك
عنونها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه
4 - وأخرج الطبراني عن ابن
مسعود قال " كنا نسميها على عهد رسول الله المانعة " (قال الهيثمي: رواه
الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات) أي أخذا من وصف النبي صلى الله
عليه و سلم إياها بأنها المانعة المنجية كما في حديث الترمذي المذكور آنفا
وليس بالصريح في التسمية .
5 - وفي الإتقان عن تاريخ ابن عساكر من حديث
" أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سماها المنجية " ولعل ذلك من وصفه
إياها بالمنجية في حديث الترمذي وليس أيضا بالصريح في أنه اسم
6/7- وفي الإتقان عن كتاب جمال القراء تسمى أيضا " الواقية " وتسمى " المناعة " بصيغة المبالغة .
8 - وذكر الفخر : أن ابن عباس كان يسميها " المجادلة " لأنها تجادل عن قارئها عند سؤال الملكين .
قلت : فصح من أسماء السورة "تبارك الذى بيده الملك"،الملك،المانعة.
** أخرج ابن الضريس والبخاري وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت بمكة تبارك الملك .
وأخرج ابن جرير في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أنزلت تبارك الملك في أهل مكة إلا ثلاث آيات.
قلت : و المختار أن الضحاك لم يسمع من ابن عباس.
قال
بن عاشور:وهي مكية قال ابن عطية والقرطبي : باتفاق الجميع فيحتمل أن
الضحاك عنى استثناء ثلاث آيات نزلت في المدينة وهذا الاحتمال هو الذي
يقتضيه إخراج صاحب الإتقان هذا النقل في عداد السور المختلف في بعض آياتها
ويحتمل أن يريد أن ثلاث آيات منها غير مخاطب بها أهل مكة – قلت :يعنى أنزلت
في شأن أقوام غير أهل مكة و لو كانت أحكامها عامة - وعلى كلا الاحتمالين
فهو لم يعين هذه الآيات الثلاث وليس في آيات السورة ثلاث آيات لا تتعلق
بالمشركين خاصة بل نجد الخمس الآيات الأوائل يجوز أن يكون القصد منها
الفريقين من أول السورة إلى قوله ( عذاب السعير )
وقال في الإتقان أيضا " فيها قول غريب " لم يعزه " أن جميع السورة مدني " .
وهي السادسة والسبعون في عداد نزول السور نزلت بعد سورة المؤمنين وقبل
سورة الحاقة وآيها في عد أهل الحجاز إحدى وثلاثون وفي عد غيرهم ثلاثون.
*** ما ورد في فضل السورة:
أ – الصحيح و الحسن:
1
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "
إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له تبارك
الذي بيده الملك "حسنه الألباني.
حديث "إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له و هي : { تبارك الذي بيده الملك }" .
تحقيق الألبانيحسن) .
قلت
(ف):هذا الحديث مداره على عباس الجشمي و لم يوثقه سوى بن حبان و نقل بن
حجر في التلخيص أن البخاري أعله في التاريخ الكبير بأن عباس الجشمي لا يعرف
سماعه من أبي هريرة ولكن ذكره ابن حبان في الثقات وله شاهد من حديث ثابت
عن أنس رواه الطبراني في الكبير بإسناد صحيح و هو و الحديث التالي و فيه
سليمان بن داود بن يحيى الطبيب البصري لم أجد فيه جرحا و لا تعديلا إلا
مقالة بن حجر عن إسناده و لم أجد إعلال البخاري للحديث في التاريخ الكبير
المطبوع .
و الحديث التالي قال فيه الطبراني لم يروه عن ثابت البناني إلا سلام.
و
الحديث حسنه الترمذي و الألباني و الضياء المقدسي وصححه ابن حبان والحاكم
والذهبي و قال الهيثمي في الحديث التالي رجاله رجال الصحيح.
2 - وأخرج
الطبراني في الأوسط وابن مردويه والضياء في المختارة عن أنس رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " سورة من القرآن خاصمت عن
صاحبها حتى أدخلته الجنة تبارك الذي بيده الملك " حسنه الألباني و قال
الهيثمي رجاله رجال الصحيح.
3 – و في سنن أبي داود عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها حتى
يغفر له تبارك الذي بيده الملك .حسنه الألباني قلت :هو نفس مخرج الحديث
الأول.
4 - وأخرج الترمذي والحاكم وابن مردويه وابن نصر والبيهقي في
الدلائل عن ابن عباس قال : ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم خباءه
على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فإذا هو بإنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها
فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم
: " هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر " .
تحقيق الألباني : ضعيف ، و إنما يصح منه قوله : " هي المانعة ..... " .
وأخرج
ابن مردويه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "
سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر " ذكره الألباني في الصحيحة.
وأخرج
الطبراني وابن مردويه بسند جيد عن ابن مسعود قال : كنا نسميها في عهد رسول
الله صلى الله عليه و سلم المانعة وإنها لفي كتاب الله سورة الملك من
قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب
5 - وأخرج ابن الضريس والطبراني والحاكم
وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال : يؤتى الرجل في قبره
فيؤتى من قبل رجليه فتقول رجلاه : ليس لكم على ما قبلي سبيل قد كان يقوم
علينا بسورة الملك ثم يؤتى من قبل صدره فيقول : ليس لكم على ما قبلي سبيل
قد كان وعى في سورة الملك ثم يؤتى من قبل رأسه فيقول : ليس لكم على ما قبلي
سبيل قد كان يقرأ بي سورة الملك فهي المانعة تمنع من عذاب القبر وهي في
التوراة سورة الملك من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب .
قال الهيثمى: رواه الطبراني وفيه عاصم بن بهدلة وهو ثقة وفيه ضعف ، وبقية رجاله رجال الصحيح.
قلت: مرتبته عند ابن حجر : صدوق له أوهام ، حجة فى القراءة ومرتبته عند الذهبـي : وثق ، و قال الدارقطنى : فى حفظه شىء.
6
- و في المعجم الكبير حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري أنا عبد الرزاق أنا
معمر عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال : مات رجل
فجاءته ملائكة العذاب فجلسوا عند رأسه فقال : لا سبيل لكم إليه قد كان يقرأ
سورة الملك فجلسوا عند رجليه فقالل : لا سبيل لكم إليه قد كان يقوم علينا
بسورة الملك فجلسوا عند بطنه فقال : لا سبيل لكم انه قد وعي في سورة الملك
فسميت المانعة.
قلت :اسناده جيد.
7 – حديث " كان لا ينام حتى يقرأ *( ألم , تنزيل )* السجدة و *( تبارك الذي بيده الملك )* " .
قال الألباني : صحيح .
و ملخص ما سبق ستة فوائد:
أنها تشفع لصاحبها حتى يغفر له (و ذلك يعنى أن أثرها متعدى عن مجرد المنع من التعذيب في القبر إلى الشفاعة) .
و شفعت لرجل حتى غفر له.
و خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنه.
و هى المانعة من عذاب القبر (و يمكن أن يضاف أن ذلك لمن كان يقرأها و يقوم بها لدلالة باقي الأحاديث).
من قرأها في ليله فقد أكثر و أطيب .
و كان النبي صلى الله عليه و سلم لا ينام حتى يقرأها و سورة السجدة.
ب – الضعيف:
1
- وأخرج عبد بن حميد في مسنده واللفظ له والطبراني والحاكم وابن مردويه
عن ابن عباس أنه قال لرجل : ألا أتحفك بحديث تفرح به ؟ قال : بلى قال اقرأ
تبارك الذي بيده الملك وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك فإنها
المنجية والمجادلة يوم القيامة عند ربها لقارئها وتطلب له أن تنجيه من عذاب
النار وينجو بها صاحبها من عذاب القبر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم : " لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي " قال الهيثمي: رواه الطبراني
وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان وهو ضعيف.
2 – حديث"وددت أن { تبارك الذي بيده الملك } في قلب كل مؤمن" .
تحقيق الألباني:(ضعيف جدا) .
3
- وأخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن الزهري عن أنس رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن رجلا ممن كان قبلكم مات وليس معه شيء
من كتاب الله إلا تبارك الذي بيده الملك فلما وضع في حفرته أتاه الملك
فثارت السورة في وجهه فقال لها : إنك من كتاب الله وأنا أكره شقاقك وإني لا
أملك لك ولا له ولا لنفسي ضرا ولا نفعا فإن أردت هذا به فانطلقي إلى الرب
فاشفعي له فانطلقت إلى الرب فتقول : يا رب إن فلانا عمد إلي من بين كتابك
فتعلمني وتلاني أفمحرقه أنت بالنار ومعذبه وأنا في جوفه ؟ فإن كنت فاعلا به
فامحني من كتابك فيقول : ألا أراك غضبت فتقول : وحق لي أن أغضب فيقول :
اذهبي فقد وهبته لك وشفعتك فيه فتجيء سورة الملك فيخرج كاسف البال لم يحل
منه شيء فتجيء فتضع فاها على فيه فتقول : مرحبا بهذا الفم فربما تلاني
وتقول : مرحبا بهذا الصدر فربما وعاني ومرحبا بهاتين القدمين فربما قامتا
بي وتؤنسه في قبره مخافة الوحشة عليه " فلما حدث رسول الله صلى الله عليه و
سلم هذا الحديث لم يبق صغير ولا كبير ولا حر ولا عبد إلا تعلمها وسماها
رسول الله صلى الله عليه و سلم المنجية .
4 - وأخرج الديلمي بسند واه
عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إني لأجد في كتاب
الله سورة هي ثلاثون آية من قرأها عند نومه كتب له منها ثلاثون حسنة ومحي
عنه ثلاثون سيئة ورفع له ثلاثون درجة وبعث الله إليه ملكا من الملائكة
ليبسط عليه جناحه ويحفظه من كل شيء حتى يستيقظ وهي المجادلة تجادل عن
صاحبها في القبر وهي تبارك الذي بيده الملك ".
5 - وأخرج الديلمي بسند
واه عن أنس رضي الله عنه رفعه " لقد رأيت عجبا رأيت رجلا مات كان كثير
الذنوب مسرفا على نفسه فكلما توجه إليه العذاب في قبره من قبل رجليه أو من
قبل رأسه أقبلت السورة التي فيها الطير تجادل عنه العذاب أنه كان يحافظ علي
وقد وعدني ربي أنه من واظب علي أن لا يعذبه فانصرف عنه العذاب بها وكان
المهاجرون والأنصار يتعلمونها ويقولون : " المغبون من لم يتعلمها وهي سورة
الملك "
6 - أمرني جبريل أن لا أنام إلا على قراءة { حم } السجدة و { تبارك الذي بيده الملك } .
ضعفه الألباني في ضعيف الجامع.
7
- وأخرج عبد الرزاق في المصنف: عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرت عن بن
مسعود قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة
و سبح اسم ربك الأعلى وفي صلاة الصبح يم الجمعة الم تنزيل و تبارك الذي
بيده الملك.
قلت :السند غير متصل.
8 - عبد الرزاق عن معمر بن راشد
عن يحيى بن أبي كثير أقال أمر النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه أن يقرؤا
الم السجدة وتبارك الذي بيده الملك فإنهما تعدل كل آية منهما سبعين آية من
غيرهما ومن قرأهما بعد العشاء الآخرة كانتا له مثلهما في ليلة القدر.
قلت: و يحي بن أبي كثير ثقة ثبت لكنه يدلس و يرسل.
ج – ما لم أقف علي أسناده أو تحقيقه أو فيما سبق غنى عنه:
1 - وأخرج ابن مردويه عن رافع بن خديج وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله
صلى الله عليه و سلم يقول : " أنزلت علي سورة تبارك وهي ثلاثون آية جملة
واحدة " وقال : " هي المانعة في القبور وإن قراءة قل هو الله أحد في صلاة
تعدل قراءة ثلث القرآن وإن قراءة قل يا أيها الكافرون في صلاة تعدل ربع
القرآن وإن قراءة إذا زلزلت في صلاة تعدل نصف القرآن "
2 - وأخرج أبو
عبيد والبيهقي في الدلائل من طريق مرة عن ابن مسعود قال : إن الميت إذا مات
أو قدت حوله نيران فتأكل كل نار يليها إن لم يكن له عمل يحول بينه وبينها
وإن رجلا مات ولم يكن يقرأ من القرآن إلا سورة ثلاثين آية فأتته من قبل
رأسه فقالت : إنه كان يقرؤني فأتته من قبل رجليه فقالت : إنه كان يقوم بي
فأتته من قبل جوفه فقالت : إنه كان وعاني فأنجته .
قال : فنظرت أنا ومسروق في المصحف فلم نجد سورة ثلاثين آية إلا تبارك
وأخرجه الدارمي وابن الضريس عن مرة مرسلا
3
- وأخرج سعيد بن منصور عن عمرو بن مرة قال : كان يقال : إن في القرآن
سورة تجادل عن صاحبها في القبر تكون ثلاثين آية فنظروا فوجدوها تبارك .
4 - وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعا قال : يبعث رجل يوم القيامة لم يترك شيئا
من المعاصي إلا ركبها إلا أنه كان يوحد الله ولم يكن يقرأ من القرآن إلا
سورة واحدة فيؤمر به إلى النار فطار من جوفه شيء كالشهاب فقالت : اللهم إني
مما أنزلت على نبيك صلى الله عليه و سلم وكان عبدك هذا يقرؤني فما زالت
تشفع حتى أدخلته الجنة وهي المنجية تبارك الذي بيده الملك .
5 - وأخرج
ابن الضريس عن مرة الهمذاني قال : أتى رجل من جوانب قبره فجعلت سورة من
القرآن ثلاثون آية تجادل عنه حتى منعته من عذاب القبر فنظرت أنا ومسروق فلم
نجدها إلا تبارك .
و عن ابن مسعود قال: "توفي رجل فأتي من جوانب قبره، فجعلت سورة من القرآن تجادل عنه
6
- وأخرج أبن مردويه من طريق أبي الصباح عن عبد العزيز عن أبيه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : " دخل رجل الجنة بشفاعة سورة من القرآن
وما هي إلا ثلاثون آية تنجيه من عذاب القبر تبارك الذي بيده الملك "
7
- وأخرج ابن مردويه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأ ألم
تنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك كل ليلة لا يدعها في سفر ولا حضر.
***
أخرج ابن عساكر عن علي رضي الله عنه مرفوعا " كلمات من قالهن عن وفاته دخل
الجنة لا إله إلا الله الحليم الكريم ثلاث مرات الحمد لله رب العالمين
ثلاث مرات تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير
و في جامع
الأحاديث عن عبد الله بن جعفر قال : قال لى على يا ابن أخى إنى معلمك كلمات
سمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، من قالهن عند وفاته دخل
الجنة لا إله إلا الله الحليم الكريم ثلاث مرات ، الحمد لله رب العالمين
ثلاث مرات ، تبارك الذى بيده الملك يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير.قال:
(الخرائطى فى مكارم الأخلاق وسنده حسن) .
و تحقيق الألباني (ضعيف) انظر حديث رقم: 4264 في ضعيف الجامع ما بين قوسين ضعيف عند الألباني.
قلت
: و هذا السند الذى ساقه به الخرائطي: حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي(قال
ابن عديّ: أحاديثه مستقيمة سوى حديث الغار. حدَّث به عن الهيثم بن جميل،
عن مبارك، عن الحسن، عن أنس، فكذّبه فيه النّاس وقال الخطيب: كذا روى حديث
الغار عن الهيثم جماعة. وإبراهيم عندناثقة ثبت وقال الدَّارقطنيّ: ثقة ) ،
حدثنا أبي(لم أعرفه) ، حدثنا المعافى بن عمران (قال بن حجر: ثقة عابد فقيه)
حدثنا سليمان بن أبي داود(قال أبو حاتم :ضعيف جدا و قال أبو زرعة:لين
الحديث) ، حدثنا خصيف ، وسالم ، وعبد الكريم ، هذا الحديث ، ثم سمعته من
بديح فكان أقعدهم فيه رواية ، وأثبتهم بديح قال : « كان عبد الله بن جعفر
رضي الله عنهما يحدثنا قال : فأقبل علي بن أبي طالب رضي الله عنه من سفر ،
فلقيناه غلمة من بني عبد المطلب ، فينا الحسن والحسين رضي الله عنهما ،
فلما دفعنا إليه تناولني ، فضمني إليه ، فقال لي : يا ابن أخي ، إني معلمك
كلمات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من قالهن عند وفاته دخل
الجنة : لا إله إلا الله الحليم الكريم ثلاث مرات ، الحمد لله رب العالمين
ثلاث مرات ، تبارك الذي بيده الملك ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير » .
*** قال بن عاشور:
أغراض السورة
والأغراض التي في هذه السورة جارية على سنن الأغراض في السور المكية
ابتدأت بتعريف المؤمنين معاني من العلم بعظمة الله تعالى وتفرده بالملك
الحق ؛ والنظر في إتقان صنعه الدال على تفرده بالإلهية فبذلك يكون في تلك
الآيات حظ لعظة المشركين
صلى الله عليه و سلم عليه الصلاة و السلام
ومن ذلك التذكير بأنه أقام نظام الموت والحياة لتظهر في الحالين مجاري
أعمال العباد في ميادين السبق إلى أحسن الأعمال ونتائج مجاريها وأنه الذي
يجازي عليها وانفراده بخلق العوالم خلقا بالغا غاية الإتقان فيما تراد له
وأتبعه بالأمر بالنظر في ذلك وبالإرشاد إلى دلائله الإجمالية وتلك دلائل
على انفراده بالإلهية وتخلصا من ذلك إلى تحذير الناس من كيد الشياطين
والارتباق معهم في ربقة عذاب جهنم وأن في اتباع الرسول صلى الله عليه و سلم
نجاة من ذلك وفي تكذيبه الخسران وتنبيه المعاندين للرسول صلى الله عليه و
سلم إلى علم الله بما يحوكونه للرسول ظاهرا وخفية بأن علم الله محيط
بمخلوقاته والتذكير بمنة خلق العالم الأرضي ودقة نظامه وملاءمته لحياة
الناس وفيها سعيهم ومنها رزقهم والموعظة بأن الله قادر على إفساد ذلك
النظام فيصبح الناس في كرب وعناء يتذكروا قيمة النعم بتصور زوالها وضرب لهم
مثلا في لطفه تعالى بهم بلطفه بالطير في طيرانها
وأيسهم من التوكل
على نصرة الأصنام أو على أن ترزقهم رزقا وفظع لهم حالة الضلال التي ورطوا
أنفسهم فيها ثم وبخ المشركين على كفرهم نعمة الله تعالى وعلى وقاحتهم في
الاستخفاف بوعيده وأنه وشيك الوقوع بهم ووبخهم على استعجالهم موت النبي
صلى الله عليه و سلم ليستريحوا من دعوته وأوعدهم بأنهم سيعلمون ضلالهم حين
لا ينفعهم العلم وأنذرهم بما قد يحل بهم من قحط وغيره .
*** افتتحت
السورة بما يدل على منتهى كمال الله تعالى افتتاحا يؤذن بأن ما حوته يحوم
حول تنزيه الله تعالى عن النقص الذي افتراه المشركون لما نسبوا إليه شركاء
في الربوبية والتصرف معه والتعطيل لبعض مراده ففي هذا الافتتاح براعة
الاستهلال.
*** { تبارك } :
1 – قال أبو حيان: أي تعالى وتعاظم.
2 –قال الزجاج : تبارك : تفاعل من البركة كذلك يقول أهل اللغة ، قال الرازي: والبركة كثرة الخير وزيادته وفيه معنيان :
أحدهما : تزايد خيره وتكاثر ، وهو المراد من قوله : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم : 34 ] .
والثاني : تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في ذاته وصفاته وأفعاله ، وهو المراد من قوله : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء } [ الشورى : 11 ] .
قال
بن عاشور: وفعل ( تبارك ) يدل على المبالغة في وفرة الخير وهو في مقام
الثناء يقتضي العموم بالقرينة أي يفيد أن كل وفرة من الكمال ثابتة لله
تعالى بحيث لا يتخلف نوع منها عن أن يكون صفة له تعالى .
وصيغة تفاعل
إذا أسندت إلى واحد تدل على تكلف فعل ما اشتقت منه نحو تطاول وتغابن وترد
كناية عن قوة الفعل وشدته مثل : تواصل الحبل وهو مشتق من البركة وهي زيادة
الخير ووفرته وتقدمت .
3 - وقال آخرون : أصل الكلمة تدل على البقاء ،
وهو مأخوذ من بروك البعير ، ومن بروك الطير على الماء ، وسميت البركة بركة
لثبوت الماء فيها ، والمعنى أنه سبحانه وتعالى باق في ذاته أزلاً وأبداً
ممتنع التغير وباق في صفاته ممتنع التبدل ، ولما كان سبحانه وتعالى هو
الخالق لوجوه المنافع والمصالح والمبقى لها وجب وصفه سبحانه بأنه تبارك
وتعالى .
4 – قال بن منظور في لسان العرب: البَرَكة النَّماء والزيادة .
وقال الفراء في قوله رحمة الله وبركاته عليكم قال البركات السعادة .
وفي حديث الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبارِكْ على محمد وعلى آل محمد أي أَثْبِتْ له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة
وهو من بَرَكَ البعير إذا أناخ في موضع فلزمه وتطلق البَرَكَةُ أيضاً على الزيادة والأَصلُ الأَولُ.
وتَبَارك الله أي بارك الله مثل قاتَلَ وتَقاتَلَ إلا أن فاعلَ يتعدى وتفاعلَ لا يتعدى .
قال الأَزهري معنى بَرَكة الله عُلُوُّه على كل شيء .
وتباركَ الله تقدَّس وتنزه وتعالى وتعاظم لا تكون هذه الصفة لغيره أي تطَهَّرَ والقُدْس الطهر.
وسئل أبو العباس عن تفسير تبارَكَ اللهُ فقال ارتفع والمُتبارِكُ المرتفع .
وروى ابن عباس ومعنى البَرَكة الكثرة في كل خير وقال في موضع آخر تَبارَكَ تعالى وتعاظم .
وقال ابن الأَنباري تبارَكَ الله أي يُتَبَرَّكُ باسمه في كل أمر.
وقال الليث في تفسير تبارَكَ الله تمجيد وتعظيم وتبارَكَ بالشيء تَفاءَل به.
قال
الزجاج في قوله تعالى وهذا كتاب أنزلناهُ مبارك قال المبارك ما يأتي من
قِبَله الخير الكثير وهو من نعت كتاب ومن قال أنزلناه مباركاً جاز في غير
القراءة
و قال اللحياني بارَكْتُ على التجارة وغيرها أي واظبت عليها .اه بتصرف
**
قلت: فكما ذكر بن عاشور هنا أن صيغة تفاعل ترد على وجهين أولهما:تكلف
الفعل الذى اشتقت منه و الثاني و هو المقصود و الله أعلم هو ورودها كناية
عن شدة الفعل و قوته و هو المقصود هنا.
و البركة :الزيادة و النماء و الكثرة في كل خير و زيادة الخير ووفرته.
و هنا يرد لها الوجهان:
الأول:
فإذا كانت في حق الله فتكون بمعنى تقدس و تعاظم و تنزه عن كل سوء و اكتمل
فيه سبحانه كل فضل و علا عن كل شيء في ذاته و صفاته و أفعاله .
الثاني: في حق الخلق فهو الذى فاض خيره و عم فكل خير من فضله و جوده و كل إحسان من رحمته و هكذا.
***
قال بن عاشور: وهذا الكلام يجوز أن يكون مرادا به مجرد الإخبار عن عظمة
الله تعالى وكماله ويجوز أن يكون مع ذلك إنشاء ثناء على الله أثناه على
نفسه وتعليما للناس كيف يثنون على الله ويحمدونه كما في ( الحمد لله رب
العالمين ) : إما على وجه الكناية بالجملة عن إنشاء الثناء وإما باستعمال
الصيغة المشتركة بين الإخبار والإنشاء في معنييها ولو صيغ بغير هذا الأسلوب
لما احتمل هذين المعنيين .
*** و كل خير في الدنيا إنما هو من الله
و الإنسان - وهو مخلوق من أعداد لا يحصيها إلا الله من المخلوقات - إن يعد
نعمة الله لا يحصيها فهو كله نعم سمعه نعمه و بصره نعمه و جسده نعمه و
روحه نعمه و رزقه نعمه و كل ثانية من الثواني يتجدد عليه من نعم الله ما لا
يحصيه و لا يعلمه و لو فقد نعمه من هذه النعم فقط واحده لتوجع و استغاث و
ربما سخط و ساء ظنه و المسكين لا ينتبه إلى باقي النعم التى لا تحصر و أن
شر الدنيا ليس بشر على الحقيقة إنما هو ابتلاء ليستخرج الله به ما في
النفوس و أن الله لا يبتليه ليهينه و لا ليعذبه إنما هو اختبار فراسب و
ناجح و نسأل الله العافية و دوامها و تمامها و الحمد و الشكر عليها و نسأل
الله من كل خير خزائنه بيد و نعوذ به من كل شر خزائنه بيده.
فالإنسان
عبارة عن كتلة مجسده من النعم الإلهية وجوده نعمة حياته نعمة صحته نعمة
ماله نعمه و هكذا بل كل ما في الكون من خير على وفرته و ككثرته و عظمته و
نحن لا ندرك من الكون إلا القليل إنما هو من الله .
و تأمل في خلق الله
الإنسان على هذه الكيفية من الطمع لو له واديان من ذهب لتمنى لهم ثالثا،
خلقه الله على هذه الكيفية لا ليعطية ما يريد بل ليعطيه فوق ما يريد و لم
يخطر له بباله قط لتعلم أن الله عظيم الكرم و الإحسان.
*** "بيده الملك":
و هنا لطيفتان:
الأولى:أن
تقديم المسند وهو ( بيده ) على المسند إليه لإفادة الاختصاص أي الملك بيده
لا بيد غيره وهو قصر مبني على عدم الاعتداد بملك غيره ولا بما يتراءى من
إعطاء الخلفاء والملوك الاصقاع للأمراء والسلاطين وولاة العهد لأن كل ذلك
ملك غير تام لأنه لا يعم المملوكات كلها ولأنه معرض للزوال وملك الله هو
الملك الحقيقي قال ( فتعالى الله الملك الحق ) فالناس يتوهمون أمثال ذلك
ملكا وليس كما يتوهمون .
الثانية : أن التعريف في ( الملك ) على هذا
الوجه تعريف الجنس الذي يشمل جميع أفراد الجنس وهو الاستغراق فما يوجد من
أفراده فرد إلا وهو مما في قدرة الله فهو يعطيه وهو يمنعه .
*** قال
بن عاشور:والملك بضم الميم : اسم لأكمل أحوال الملك بكسر الميم والملك
بالكسر جنس للملك بالضم وفسر الملك المضموم بضبط الشيء المتصرف فيه بالحكم
وهو تفسير قاصر وأرى أن يفسر بأنه تصرف في طائفة من الناس ووطنهم تصرفا
كاملا بتدبير ورعاية فكل ملك " بالضم " ملك " بالكسر " وليس كل ملك ملكا .
***
فالله سبحانه له كمال الملك أختص به وحده كل ما في الكون مِلكه و خاضعة
لأمره و مُلكه ليس لأحد دونه ذرة من مُلك أو مِلك حقيقي و كل ملك في الدنيا
مجازى فكلها عواري مستعارة توشك أن تفارق أصحابها إلى غيرهم لتتم الفتنة و
الابتلاء في الدنيا و ما دام الملك لأحد في الدنيا و لو ثبت لمن قبلنا لما
وصل إلينا و لو صدق ظن الأمم المتجبرة التي قهرت الخلق في وقت ما أنه لا
يزول ملكها
لما رأينا تحول الملك من أمة لأمة أبدا.
و الحق أن الله سبحانه منفرد بملك السموات و الأرض و من فيهن و ما سوى ذلك لا شريك له و لا معين و لا نظير و لا كفء و
يؤتي
الملك من يشاء و ينزع الملك ممن يشاء و يعز من يشاء و يذل من يشاء لا راد
لأمره و لا معقب لحكمه أمره متحقق و قهره نافذ و البشر في دنياهم يبتلون
بصور الملك – و هم على الحقيقة لا يملكون ذرة فما دونها بل حتى لا يملكون
أنفسهم و لا يملكون لأنفسهم شيء- ليستخرج الله بها ما في النفوس و كل يسطر
في صحيفته ما سيلقى به ربه - فاللهم غفرا- فهذا متكبر و ذاك جبار و أخر
محارب لله و رسله و غيرهم .
الله الملك له الحكم الكوني النافذ فإذا
أراد شيئا يقول له كن فيكون مهما كان و مهما بلغ لا يعجزه شيء و لا يتعاظمه
شيء يمهل العباد رحمة و حكمة و يبتلى أحدهم بالضراء ليرى سبحانه عمله و
يبتلى أحدهم بالملك و السلطان ليرى عمله فذاك مبتلى و ذاك مبتلى و هم عند
الله سواء أكرمهم عليه أتقاهم و رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على
الله لأبره و هو عند الله خير من ملء الأرض من المتكبرين و المتجبرين.
من
أكرم يوسف أم الملك ؟موسي أم فرعون؟ هود و صالح و لوط أم الملأ من قومهم؟
الإجابة التي لا ريب فيها أنهم خير من ملء الأرض من أمثال هؤلاء .
فالله
هو الذي أعطى كل إنسان رزقه و هو سبحانه قادر على نزعه في أي لحظة فكيف
يتكبر أحد على ربه و بماذا أيتكبر بالعارية المسترده من ربه التى لا يأمن
زوالها؟ أيتكبر على الخلق بما أعطاه الله منه و فضلا أو ابتلاء و حكمه و هو
لا يعرف مصيره في أى لحظه فضلا عن مصير ما في يديه.
و الله له الحكم و
الأمر الشرعي النافذ فهو المستحق لأن يطاع هو الملك على الحقيقة خلق و دبر و
رزق و عدل و رحم فمن أولي منه بالطاعة و الأنقياد و تمام الحب و الخضوع
فمن نازعه أمر فقد نازعه ربوبيته.
و الله يمكن للأمة العادلة و لو
كافرة و ينزع الملك من الظالمة و لو مسلمة و الله له في شأنه تدبير و تصريف
على أتم الحكمة و الرحمة و هو أعلم سبحانه و الأمة الظالمة و لو مسلمة
فتنة للناس في دينها وعذاب لها في دنياها.
و هل أفسد الدين إلا الملوك و أحبار سوء و رهبانها
و الله سبحانه لا يتصرف في ملكة إلا بتمام الحمد و الخلق يحاسبون بمثاقيل
الذر إلا ما عفا الله "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة
شرا يره" فالحكمة تامة و الرحمة تامة فلا تظنن أبدا أن الله غافلا عما يعمل
الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار و لا تظنن الله يظلم أحدا و
لا يغبن أحدا فالله أعظم و أكرم من ذلك و الخير و الشر في الدنيا مجاز إنما
الخير و الشر في الآخرة .
أين ملك الملوك و أين قهرهم و جنودهم و أنصارهم و عبادهم أين ذهبوا هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا
أين
فرعون و زبانيته؟ و أين النمرود و حاشيته .و أين الجنود ؟ فرعون و ثمود؟
أين الرؤساء و الجنرالات و اللواءات و الضباط؟ أين من قهروا الأمم و أذلوا
الشعوب و ساموا الخلق سوء العذاب.
و لو سمت همة رجل فقام فأمر و نهى
طاغية فصبر على ما أصابه في الله انتهى الأمر و لا يستوون فالأول من سادة
الشهداء و الأخر من الجبابرة الطغاه و نسأل الله العافية.
و الله سبحانه
يستحق حمدا لا يقدر مقداره إلا هو على عدله و ملكه و رحمته و سائر أسماءه و
صفاته و إلا فلو لم يكن الله سبحانه عادلا برا لا رحيما فماذا كان الخلق
سيفعلون ؟ و فالمخلوق يرحم ليرحم و الله يرحم لأنه رحيم و المخلوق يعدل
خوفا من العقوبة أو خوفا من أن يظلم و الله يعدل لأن صفته العدل و المخلوق
يَبر ليُبر و الله هو البر الرحيم و هكذا.
*** وجملة ( وهو على كل
شيء قدير ) معطوفة على جملة ( بيده الملك ) التي هي صلة الموصول وهي تعميم
بعد تخصيص لتكميل المقصود من الصلة إذ أفادت الصلة عموم تصرفه في الموجودات
وأفادت هذه عموم تصرفه في الموجودات والمعدومات بالإعدام للموجودات
والإيجاد للمعدومات فيكون قوله ( وهو على كل شيء قدير ) مفيدا معنى آخر غير
ما أفاده قوله ( بيده الملك ) تفادي من أن يكون معناه تأكيدا لمعنى ( بيده
الملك ) وتكون هذه الجملة تتميما للصلة . وفي معنى صلة ثانية ثم عطفت ولم
يكرر فيها اسم موصول بخلاف قوله ( الذي خلق الموت ) وقوله ( الذي خلق سبع
سماوات ) .
*** قال بن عاشور: و ( شيء ) : ما يصح أن يعلم ويخبر عنه
وهذا هو الإطلاق الأصلي في اللغة . وقد يطلق ( الشيء ) على خصوص الموجود
بحسب دلالة القرائن والمقامات .
*** وتقديم المجرور في قوله ( على
كل شيء قدير ) للاهتمام بما فيه من التعميم ولإبطال دعوى المشركين نسبتهم
الإلهية لأصنامهم مع اعترافهم بأنه لا تقدر على خلق السماوات والأرض ولا
على الإحياء والإماتة .
*** الله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء بل
لا يتعاظمه شيء قال تعالى "الله خالق كل شيء و هو على كل شيء وكيل" الأرض
في ملكه ذره و عظمته صفة له لا نحيط بكنهها و لا حول و لا قوة إلا به.
فكل
جبار لا يستطيع ان يحرك ذرة إلا بإذن الله و إنما مكنهم الله حكمة و عدلا و
في الحياة الحقيقة في الآخرة لا سبيل لذلك إنما هى فتنة و ابتلاء مؤقت .
وغاية
مرادك من الله قليل قليل في ملكه و إنما الأمر في رضاه و إنما الأمر أن
يريد و يأذن و سبيل ذلك أن يحبك و يرضى عنك و سبيل ذلك العمل الصالح فذلك
العمل الصالح سبيلك إلى كل كرامة و سعادة لم تخطر ببالك قط على حرصك و طمعك
فخذ من الخير و أساله و أرجه و أقبل بقلبك و روحك و أعظم الطلب و الرجاء و
استغفر من الذنب اسأله باسمه الأعظم و توسل إليه به و استعن به و توكل
عليه فهو على كل شيء قدير و من تدبر في هذه الصفات لا بد أن يرجو بقلبه و
يشتد رجاءه و الله المستعان.
*** الأية جمعت ثلاثة حقائق من أعظم حقائق الكون:
الأولى
:أن الله تقدس في ذاته فتنزه عن كل شر و كمل فيه كل خير و عظم خيره حتى
فاضت بحور إنعامه على خلقه في الدنيا فما بالك بالمصطفين في الآخرة.
الثانية:أن
الملك كله في يديه يدبره بتمام الحمد و الخلق مبتلون بما فيما بين أيديهم
من السلطان و لا ملك لهم على الحقيقة إنما هي عارية مسترده.
الثالثه: أنه سبحانه لا يعجزه شيء و لا يتعاظمه بل هو على كل شيء قدير.
و اجتماع الملك التام مع القدرة التامة يعطي كمالا فوق الكمال فإذا كملت
صفات الذات مع ذلك عظم ذلك الكمال فإذا أضيف لذلك أن عم خيره و فاض و
انتشر فهذا هو تفسير الأية التي بين أيدينا.
فهذا هو الله الذي نعبده و
نخضع له و نحبه و هذه قوانين الحياة التي نحياها علمها من علمها و جهلها من
جهلها و شاء كمن شاء و أبى من أبى و رضي من رضي و سخط من سخط .
إذا
استحضر المسلم هذه المعاني في قلب فلا شك أنه بعدها لن يكون كحاله قبلها و
الله أعلم و هو المستعان نسأله العافيه و العفو و الغفران.
و ما أشبه
هذه الأية بالذكر المأثور "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له
الحمد و هو علي كل شيء قدير" فإن "تبارك" فيها تقديس الله و تنزيهه عن
الشريك و المثيل و عن كل ما لا يليق به سبحانه و أيضا التقديس يلزم منه
تمام الحمد و بعد ذلك يشترك النصان في الفضائل.
و لا يخفى أن هذا الذكر من أعظم الأذكار إن لم يكن أعظمها على الإطلاق فاشتراك الأية معه في المعنى يدل على عظمة هذه الأية و فضلها .
بل أقول و لله العلم أن السورة سميت بسورة الملك من هذه الأية الجليلة التى فيها تمام الملك و تمام الحمد و القدرة.
*** الفوائد العملية في الأية:
1 – هذه السورة فيها إشارة لعظيم ملك الله و بذلك سميت فليتدبر ذلك.
2 – و هي مكية أي من القرآن الذي يغرس العقائد التي تبنى عليها الشخصية المسلمة.
3 – و هي تشفع لصاحبها حتى يغفر له خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة.
4 – و هي المانعة من عذاب القبر.
5 – و من قرأها في ليله فقد أكثر و أطيب و كان النبيصلى الله عليه و سلم لا يدعها كل ليلة .
6 – معنى "تبارك" و من تقدس في ذاته و فاض خيره فما أعظم كماله.
7 – التدبر في تقديس الله و فيضان خيره على خلقه ذلك علاج عظيم لأمراض القلب و وساوس الشيطان.
8 – تدبر أن الملك الحقيقي لله و كل ما سوى ذلك عوارى مسترده ابتلاء و حكمه فلينظر كل امرئ ما يسطر في صحيفته.
9 – أن لا يغتر بحال الظلمة و الجبابرة و الطغاة و كم فتن بهم من أقوام و يوم القيامة يتلاعنون و لا يغني بعضهم عن بعض شيئا.
10 – تدبر أن الله قدير على كل شيء و لكماله سبحانه لا يتعاظمه شيء.
11
– و سبيل السعادة:خذ من الخير ما استطعت و أساله و أرجه و أقبل بقلبك و
روحك و أعظم الطلب و الرجاء و استغفر من الذنب اسأله باسمه الأعظم و توسل
إليه به و استعن به و توكل عليه فهو على كل شيء قدير.
12 – تدبر الكمال المركب في هذه الأية.
تفسير سورة الملك | الآية الثانية
"الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور" الآية :2
** قال بن عاشور: ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور) صفة ل ( الذي بيده الملك ) .
و
الآية السابقة ذكرت عموم القدرة و من أعظم ما تظهر فيه القدرة صفة الخلق
فذكر سبحانه هنا مخلوقين من أعجب ما يكون بهما قهر الخلق و ظهر ملكه و
سلطانه عليهم "كل من عليها فان و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام" و هما
الموت و الحياة.
و لا يفوت هنا تذكر محاجة إبراهيم صلى الله عليه و سلم
للملك "إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي و يميت قال أنا أحيي و أميت" قالها
الملك بطرا للحق و هو يعلم أنه مقهور بالموت .
فالله العظيم بيده الموت و
الحياة فمن ممن دونه يملك ذلك لنفسه فضلا عن غيره و من ممن يعظم الخلق
مهما بلغ من سلطان في الدنيا لا يدخل تحت هذا القهر فاللهم غفرا.
فهذا
مدعاة لوضع الأمور في نصابها الصحيح فالله سبحانه رفع بعض الخلق على بعض في
الدنيا ابتلاء و ليس هذا الحال الذي ستدوم عليه الأمور و توشك أن تستوي
الرؤوس في الآخرة بل لن تستوي فليس المسلمين كالمجرمين قال سبحانه "و الذين
اتقوا فوقهم يوم القيامة".
**"خلق الموت و الحياة":
1 – وردت مجموعة من الأثار أن الحياة فرس جبريل و الموت كبش أملح:
*أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : والذي خلق الموت والحياة قال : الحياة فرس جبريل عليه السلام والموت كبش أملح .
*وأخرج
أبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال : خلق الله الموت كبشا أملح
مستترا بسواد وبياض له أربعة أجنحة جناح تحت العرش وجناح في الثرى وجناح في
المشرق وجناح في المغرب .
* و في روضة المحدثين عن ابن عباس قال :
الموت و الحياة جسمان فالموت كبش لا يجد ريحه شىء إلا مات ، و الحياة فرس
بلقاء أنثى و هى التى كان جبريل و الأنبياء يركبونها لا تمر بشىء و لا يجد
ريحها شىء إلا حيى .
قال الحافظ فى " الفتح " : من الأخبار الواهية فى صفة البراق .
*و
في تفسير اللباب: روى الكلبي عن ابن عبَّاسٍ : أن الله - تعالى - خلق
الموت في صورة كبش أملح لا يمر بشيء ، ولا يجد رائحته شيء إلاَّ مات ، وخلق
الحياة في صورة فرس بلقاء فوق الحمار ودون البَغْل لا تمر بشيء ، ولا يجد
رائحتها شيء إلا حيي .
قلت: و الكلبي ضعيف لا يحتج به.
و فيه :حكى
ابنُ عباس ، والكلبي ومقاتلٌ : أن الموت والحياة يجسمان ، فالموت في هيئة
كبْش لا يمر بشيء ، ولا يجد ريحه إلا مات ، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى
بلقاءَ وهي التي كان جبريل والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - يركبونها ،
خطوتُها أمدُ البصر فوق الحمار ودون البغل ، لا تمر بشيء يجد ريحاً إلا
يحيى ، ولا تطأ على شيء إلا حيي ، وهي التي أخذ السَّامري من أثرها ،
فألقاها على العِجْل فحيي .
حكاه الثعلبي والقشيري عن ابن عباس ، والماوردي معناه عن مقاتل والكلبي .
**حديث
"إذا دخل أهل الجنة الجنة و أهل النار النار يجاء بالموت كأنه كبش أملح
فيوقف بين الجنة و النار فيقال : يا أهل الجنة هل تعرفون هذا ؟
فيشرئبون فينظرون و يقولون : نعم هذا الموت و كلهم قد رآه ثم ينادى :
يا أهل النار هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون فينظرون فيقولون : نعم هذا
الموت و كلهم قد رآه فيؤمر به فيذبح و يقال : يا أهل الجنة خلود و لا موت
و يا أهل النار خلود و لا موت" . صححه الألباني
قال القاضي عياض: (
قال بعض أهل المعاني: واختلاف اللونين في هذا التمثيل يحتمل أنه لاختلاف
الحالين، فالبياض لجهة أهل الجنة الذين ابيضت وجوههم، والسواد لأهل النار
الذين اسودت وجوههم) .اه
و في تحفة الأحوذى: قال القرطبي الحكمة في الإتيان بالموت هكذا الإشارة إلى أنهم حصل لهم الفداء به كما فدى ولد إبراهيم بالكبش
وقال بن العربي استشكل هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل لأن الموت عرض
والعرض لا ينقلب جسما فكيف يذبح فأنكرت طائفة صحة هذا الحديث ودفعته
وتأولته طائفة فقالوا هذا تمثيل ولا ذبح هناك حقيقة وقالت طائفة بل الذبح
على حقيقته والمذبوح متولى الموت وكلهم يعرفه لأنه الذي تولى قبض أرواحهم .
وقال المازري: الموت عندنا عرض من الأعراض وعند المعتزلة ليس بمعنى بل
معناه عدم الحياة وهذا خطأ لقوله تعالى خلق الموت والحياة فأثبت الموت
مخلوقا وعلى المذهبين لا يصح أن يكون كبشا ولا جسما وأن المراد بهذا
التمثيل والتشبيه ثم قال وقد يخلق الله تعالى هذا الجسم ثم يذبح ثم يجعل
مثالا لأن الموت لا يطرأ على أهل الاخرة
وقال القرطبي في التذكرة
الموت معنى والمعاني لا تنقلب جوهرا وإنما يخلق الله أشخاصا من ثواب
الأعمال وكذا الموت يخلق الله كبشا يسميه الموت ويلقى في قلوب الفريقين أن
هذا الموت يكون ذبحه دليلا على الخلود في الدارين .
وقال غيره: لا مانع
أن ينشئ الله من الأعراض أجسادا يجعلها مادة لها كما ثبت في مسلم في حديث
أن البقرة وآل عمران يجيئان كأنهما غمامتان ونحو ذلك من الأحاديث. انتهى
قال صاحب التحفة: هذا القول الأخير هو المعتمد .
2 – قال أبو حيان : ومعنى { خلق الموت } : إيجاد ذلك المصحح وإعدامه ، والمعنى : خلق موتكم وحياتكم أيها المكلفون .
قال
بن عاشور: ومعنى خلق الحياة : خلق الحي لأن قوام الحي هو الحياة ففي خلقه
خلق ما به قوامه وأما معنى خلق الموت فإيجاد أسبابه وإلا فإن الموت عدم لا
يتعلق به الخلق بالمعنى الحقيقي ولكنه لما كان عرضا للمخلوق عبر عن حصوله
بالخلق تبعا كما في قوله تعالى ( والله خلقكم وما تعملون ).
وأيضا لأن الموت تصرف في الموجود القادر الذي من شأنه أن يدفع عن نفسه ما يكرهه .
والموت مكروه لكل حي فكانت الإماتة مظهرا عظيما من مظاهر القدرة لأن فيها تجلي وصف القاهر
فأما الإحياء فهو من مظاهر وصف القادر ولكن مع وصفه المنعم
فمعنى القدرة في الإماتة أظهر وأقوى لأن القهر ضرب من القدرة
ومعنى القدرة في الإحياء خفي بسبب أمرين بدقة الصنع وذلك من آثار صفة العلم وبنعمة كمال الجنس وذلك من آثار صفة الإنعام .
والمعنى
: أنه خلق الموت والحياة ليكون منكم أحياء يعملون الصالحات والسيئات ثم
أمواتا يخلصون إلى يوم الجزاء فيجزون على أعمالهم بما يناسبها.
3 –وقيل :
كنى بالموت عن الدنيا ، إذ هو واقع فيها ، وعن الآخرة بالحياة من حيث لا
موت فيها ، فكأنه قال : هو الذي خلق الدنيا والآخرة ، وصفهما بالمصدرين ،
وقدّم الموت لأنه أهيب في النفوس.
روى عطاء عن ابن عباس قال : يريد الموت في الدنيا والحياة في الآخرة دار الحيوان.
4
– قال الرازى: قالوا : الحياة هي الصفة التي يكون الموصوف بها بحيث يصح أن
يعلم ويقدر واختلفوا في الموت ، فقال قوم : إنه عبارة عن عدم هذه الصفة
وقال أصحابنا : إنه صفة وجودية مضادة للحياة واحتجوا على قولهم بأنه تعالى
قال : { الذى خَلَقَ الموت } والعدم لا يكون مخلوقاً هذا هو التحقيق.
5 -
وعن مقاتل : « خَلَقَ المَوْتَ » يعني : النُّطفة والعلقة والمُضغة ،
وخلق الحياة ، يعني خلق إنساناً ، ونفخ فيه الروح ، فصار إنساناً .
قلت
(شريف): و كما قال صاحب التحفة قد ينشئ الله للأعراض أجساما يوم القيامة و
لا يلزم من كون الموت يؤتى به يوم القيامة على هيئة كبش أملح أن هذه
الكيفية التي خلق عليها فهذا لا يستطيع أحد أن يثبته أو ينفيه إلا بأثر و
الأثار الواردة لا حجة فيها إلا الحديث الأخير و كون الموت و الحياة فيما
يبدو للخلق أعراض تعرض للخلق و ليست أجسام محسوسة لا ينفى أن يكون له من
الكيفية و الخلقه ما نجهله و يعلمه الله فالأولى و الصواب الإيمان بما
أوحاه الله سبحانه إلى نبيه و عدم تكلف تأويله و أخذ العبرة المطلوبة منه و
عدم القول و الخوض في الدين بغير علم فلو كان ذلك مهما في أمر المعاد
لأوضحه الله سبحانه غاية الإيضاح و لكنه كعدد أصحاب الكهف و غير ذلك مما لا
نفع في تحقيقه بل المقصود من ذكره العبرة و العظة لا الانشغال بكيفيته و
الله أعلم.
قال تعالي في سورة الإسراء :" (48) وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا
عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ
كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي
صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ
أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى
هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)"
قال بعض أهل التفسير :"أو
خلقا مما يكبر في صدوركم" قالوا الموت فلو كنتم حجارة أو حديدا أو الموت
نفسه لم تعجزوا الله سبحانه أن يبعثكم و يعيدكم و الله لا يعجزه شيء و لا
يتعاظمه شيء .
في صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال :
دخلت على النبي صلى الله عليه و سلم وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني
تميم فقال ( اقبلوا البشرى يا بني تميم ) . قالوا قد بشرتنا فأعطنا مرتين
ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال ( اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم
يقبلها بنو تميم ) . قالوا قد قبلنا يا رسول الله قالوا جئناك نسألك عن هذا
الأمر قال ( كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر
كل شيء وخلق السماوات والأرض ) .
قال بن حجر في الفتح:قوله كان الله
ولم يكن شيء غيره في الرواية الآتية في التوحيد ولم يكن شيء قبله وفي رواية
غير البخاري ولم يكن شيء معه والقصة متحدة فاقتضى ذلك أن الرواية وقعت
بالمعنى ولعل راويها أخذها من قوله صلى الله عليه و سلم في دعائه في صلاة
الليل كما تقدم من حديث بن عباس "أنت الأول فليس قبلك شيء" لكن رواية الباب
أصرح في العدم وفيه دلالة على أنه لم يكن شيء غيره لا الماء ولا العرش ولا
غيرهما لأن كل ذلك غير الله تعالى .
الله الملك هو الأول فليس قبله شيء
و لم يكن له كفئا أحد و هو خالق كل شيء فكل ما سواه مخلوق مقهور مربوب خلق
الله سبحانه الأجسام و المخلوقات المختلفه فمنها الجماد و منها النبات و
منها الأحياء و خلق سبحانه الأعراض التي تعرض لها خلق الموت و الحياة و
الصحة و المرض و السعادة و الشقاء و الألم و الراحة و الجوع و الشبع و غير
ذلك و لا ندرى كيفية خلق هذه الأعراض و هل لها أجسام لا نعلمها ؟ أم هي
كإدراكنا لها مجرد أعراض؟ فلله العلم.
و أحكم
الله سبحانه خلقه و أتقنه في كل جزء منه و فرع فترى ألاف الأبحاث فقط حول
مخلوق واحد و لا تشمل كل ما فيه و الخلق أعجز من أن يخلقوا ذبابة.
و
الزمان شيء و المكان شيء و الله خالق كل شيء فهما مخلوقان و لكن كيفيتهما
فهذا تحار فيه الألباب و النهى و ليس فيه أثارة من علم يستدل بها و نحن
خلقنا محاطين بهذه الحدود فلا نتصور غيرها و إعمال العقل في ذلك لن يوصل
لنافع.
و ليس لنا البحث في ذات ا
| الآية الأولى
سورة الملك
بسم الله الرحمن الرحيم
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
** أما تسمية السورة:
قال بن عاشور:
1
- سماها النبي صلى الله عليه و سلم ( سورة تبارك الذي بيده الملك ) في
حديث رواه الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أن سورة من
القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفرت له وهي ( سورة تبارك الذي بيده الملك
).
فهذا تسمية للسورة بأول جملة وقعت فيها فتكون تسمية بجملة كما سمي ثابت بن جابر " تأبط شرا " .
2
- وسميت أيضا ( تبارك الملك ) بمجموع الكلمتين في عهد النبي صلى الله عليه
و سلم وبسمع منه فيما رواه الترمذي عن ابن عباس " أن رجلا من أصحاب النبي
صلى الله عليه و سلم قال له ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا
فيه إنسان " أي دفين فيه " يقرأ سورة ( تبارك الملك ) حتى ختمها فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر "
حديث حسن غريب (قلت: قال الألباني : ضعيف ، و إنما يصح منه قوله : " هي
المانعة .....").
يكون اسم السورة مجموع هذين اللفظين على طريقة عد
الكلمات في اللفظ دون إضافة إحداهما إلى الأخرى مثل تسمية " لام ألف " .
ونظيره أسماء السور بالأحرف المقطعة التي في أولها على بعض الأقوال في
المراد منها وعليه فيحكى لفظ ( تبارك ) بصيغة الماضي ويحكى لفظ ( الملك )
مرفوعا كما هو في الآية فيكون لفظ " سورة " مضافا من إضافة المسمى إلى
الاسم . لأن المقصود تعريف السورة بهاتين الكلمتين على حكاية اللفظين
الواقعين في أولها مع اختصار ما بين الكلمتين وذلك قصدا للفرق بينهما وبين "
تبارك الفرقان " . كما قالوا : عبيد الله الرقيات بإضافة مجموع " عبيد
الله " إلى " الرقيات " تمييزا لعبيد الله بن قيس العامري الشاعر عن غيره
ممن يشبه اسمه اسمه مثل عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أو لمجرد
اشتهاره بالتشبيه في نساء كان اسم كل واحدة منهن رقية وهن ثلاث . ولذلك يجب
أن يكون لفظ ( تبارك ) في هذا المركب مفتوح الآخر . ولفظ ( الملك ) مضموم
الكاف . وكذلك وقع ضبطه في نسخة جامع الترمذي وكلتاهما حركة حكاية.
3 -
والشائع في كتب السنة وكتب التفسير وفي أكثر المصاحف تسمية هذه السورة
سورة الملك وكذلك ترجمها الترمذي : باب ما جاء في فضل سورة الملك . وكذلك
عنونها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه
4 - وأخرج الطبراني عن ابن
مسعود قال " كنا نسميها على عهد رسول الله المانعة " (قال الهيثمي: رواه
الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات) أي أخذا من وصف النبي صلى الله
عليه و سلم إياها بأنها المانعة المنجية كما في حديث الترمذي المذكور آنفا
وليس بالصريح في التسمية .
5 - وفي الإتقان عن تاريخ ابن عساكر من حديث
" أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سماها المنجية " ولعل ذلك من وصفه
إياها بالمنجية في حديث الترمذي وليس أيضا بالصريح في أنه اسم
6/7- وفي الإتقان عن كتاب جمال القراء تسمى أيضا " الواقية " وتسمى " المناعة " بصيغة المبالغة .
8 - وذكر الفخر : أن ابن عباس كان يسميها " المجادلة " لأنها تجادل عن قارئها عند سؤال الملكين .
قلت : فصح من أسماء السورة "تبارك الذى بيده الملك"،الملك،المانعة.
** أخرج ابن الضريس والبخاري وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت بمكة تبارك الملك .
وأخرج ابن جرير في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أنزلت تبارك الملك في أهل مكة إلا ثلاث آيات.
قلت : و المختار أن الضحاك لم يسمع من ابن عباس.
قال
بن عاشور:وهي مكية قال ابن عطية والقرطبي : باتفاق الجميع فيحتمل أن
الضحاك عنى استثناء ثلاث آيات نزلت في المدينة وهذا الاحتمال هو الذي
يقتضيه إخراج صاحب الإتقان هذا النقل في عداد السور المختلف في بعض آياتها
ويحتمل أن يريد أن ثلاث آيات منها غير مخاطب بها أهل مكة – قلت :يعنى أنزلت
في شأن أقوام غير أهل مكة و لو كانت أحكامها عامة - وعلى كلا الاحتمالين
فهو لم يعين هذه الآيات الثلاث وليس في آيات السورة ثلاث آيات لا تتعلق
بالمشركين خاصة بل نجد الخمس الآيات الأوائل يجوز أن يكون القصد منها
الفريقين من أول السورة إلى قوله ( عذاب السعير )
وقال في الإتقان أيضا " فيها قول غريب " لم يعزه " أن جميع السورة مدني " .
وهي السادسة والسبعون في عداد نزول السور نزلت بعد سورة المؤمنين وقبل
سورة الحاقة وآيها في عد أهل الحجاز إحدى وثلاثون وفي عد غيرهم ثلاثون.
*** ما ورد في فضل السورة:
أ – الصحيح و الحسن:
1
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "
إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له تبارك
الذي بيده الملك "حسنه الألباني.
حديث "إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له و هي : { تبارك الذي بيده الملك }" .
تحقيق الألبانيحسن) .
قلت
(ف):هذا الحديث مداره على عباس الجشمي و لم يوثقه سوى بن حبان و نقل بن
حجر في التلخيص أن البخاري أعله في التاريخ الكبير بأن عباس الجشمي لا يعرف
سماعه من أبي هريرة ولكن ذكره ابن حبان في الثقات وله شاهد من حديث ثابت
عن أنس رواه الطبراني في الكبير بإسناد صحيح و هو و الحديث التالي و فيه
سليمان بن داود بن يحيى الطبيب البصري لم أجد فيه جرحا و لا تعديلا إلا
مقالة بن حجر عن إسناده و لم أجد إعلال البخاري للحديث في التاريخ الكبير
المطبوع .
و الحديث التالي قال فيه الطبراني لم يروه عن ثابت البناني إلا سلام.
و
الحديث حسنه الترمذي و الألباني و الضياء المقدسي وصححه ابن حبان والحاكم
والذهبي و قال الهيثمي في الحديث التالي رجاله رجال الصحيح.
2 - وأخرج
الطبراني في الأوسط وابن مردويه والضياء في المختارة عن أنس رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " سورة من القرآن خاصمت عن
صاحبها حتى أدخلته الجنة تبارك الذي بيده الملك " حسنه الألباني و قال
الهيثمي رجاله رجال الصحيح.
3 – و في سنن أبي داود عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها حتى
يغفر له تبارك الذي بيده الملك .حسنه الألباني قلت :هو نفس مخرج الحديث
الأول.
4 - وأخرج الترمذي والحاكم وابن مردويه وابن نصر والبيهقي في
الدلائل عن ابن عباس قال : ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم خباءه
على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فإذا هو بإنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها
فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم
: " هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر " .
تحقيق الألباني : ضعيف ، و إنما يصح منه قوله : " هي المانعة ..... " .
وأخرج
ابن مردويه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "
سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر " ذكره الألباني في الصحيحة.
وأخرج
الطبراني وابن مردويه بسند جيد عن ابن مسعود قال : كنا نسميها في عهد رسول
الله صلى الله عليه و سلم المانعة وإنها لفي كتاب الله سورة الملك من
قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب
5 - وأخرج ابن الضريس والطبراني والحاكم
وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال : يؤتى الرجل في قبره
فيؤتى من قبل رجليه فتقول رجلاه : ليس لكم على ما قبلي سبيل قد كان يقوم
علينا بسورة الملك ثم يؤتى من قبل صدره فيقول : ليس لكم على ما قبلي سبيل
قد كان وعى في سورة الملك ثم يؤتى من قبل رأسه فيقول : ليس لكم على ما قبلي
سبيل قد كان يقرأ بي سورة الملك فهي المانعة تمنع من عذاب القبر وهي في
التوراة سورة الملك من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب .
قال الهيثمى: رواه الطبراني وفيه عاصم بن بهدلة وهو ثقة وفيه ضعف ، وبقية رجاله رجال الصحيح.
قلت: مرتبته عند ابن حجر : صدوق له أوهام ، حجة فى القراءة ومرتبته عند الذهبـي : وثق ، و قال الدارقطنى : فى حفظه شىء.
6
- و في المعجم الكبير حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري أنا عبد الرزاق أنا
معمر عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال : مات رجل
فجاءته ملائكة العذاب فجلسوا عند رأسه فقال : لا سبيل لكم إليه قد كان يقرأ
سورة الملك فجلسوا عند رجليه فقالل : لا سبيل لكم إليه قد كان يقوم علينا
بسورة الملك فجلسوا عند بطنه فقال : لا سبيل لكم انه قد وعي في سورة الملك
فسميت المانعة.
قلت :اسناده جيد.
7 – حديث " كان لا ينام حتى يقرأ *( ألم , تنزيل )* السجدة و *( تبارك الذي بيده الملك )* " .
قال الألباني : صحيح .
و ملخص ما سبق ستة فوائد:
أنها تشفع لصاحبها حتى يغفر له (و ذلك يعنى أن أثرها متعدى عن مجرد المنع من التعذيب في القبر إلى الشفاعة) .
و شفعت لرجل حتى غفر له.
و خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنه.
و هى المانعة من عذاب القبر (و يمكن أن يضاف أن ذلك لمن كان يقرأها و يقوم بها لدلالة باقي الأحاديث).
من قرأها في ليله فقد أكثر و أطيب .
و كان النبي صلى الله عليه و سلم لا ينام حتى يقرأها و سورة السجدة.
ب – الضعيف:
1
- وأخرج عبد بن حميد في مسنده واللفظ له والطبراني والحاكم وابن مردويه
عن ابن عباس أنه قال لرجل : ألا أتحفك بحديث تفرح به ؟ قال : بلى قال اقرأ
تبارك الذي بيده الملك وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك فإنها
المنجية والمجادلة يوم القيامة عند ربها لقارئها وتطلب له أن تنجيه من عذاب
النار وينجو بها صاحبها من عذاب القبر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم : " لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي " قال الهيثمي: رواه الطبراني
وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان وهو ضعيف.
2 – حديث"وددت أن { تبارك الذي بيده الملك } في قلب كل مؤمن" .
تحقيق الألباني:(ضعيف جدا) .
3
- وأخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن الزهري عن أنس رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن رجلا ممن كان قبلكم مات وليس معه شيء
من كتاب الله إلا تبارك الذي بيده الملك فلما وضع في حفرته أتاه الملك
فثارت السورة في وجهه فقال لها : إنك من كتاب الله وأنا أكره شقاقك وإني لا
أملك لك ولا له ولا لنفسي ضرا ولا نفعا فإن أردت هذا به فانطلقي إلى الرب
فاشفعي له فانطلقت إلى الرب فتقول : يا رب إن فلانا عمد إلي من بين كتابك
فتعلمني وتلاني أفمحرقه أنت بالنار ومعذبه وأنا في جوفه ؟ فإن كنت فاعلا به
فامحني من كتابك فيقول : ألا أراك غضبت فتقول : وحق لي أن أغضب فيقول :
اذهبي فقد وهبته لك وشفعتك فيه فتجيء سورة الملك فيخرج كاسف البال لم يحل
منه شيء فتجيء فتضع فاها على فيه فتقول : مرحبا بهذا الفم فربما تلاني
وتقول : مرحبا بهذا الصدر فربما وعاني ومرحبا بهاتين القدمين فربما قامتا
بي وتؤنسه في قبره مخافة الوحشة عليه " فلما حدث رسول الله صلى الله عليه و
سلم هذا الحديث لم يبق صغير ولا كبير ولا حر ولا عبد إلا تعلمها وسماها
رسول الله صلى الله عليه و سلم المنجية .
4 - وأخرج الديلمي بسند واه
عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إني لأجد في كتاب
الله سورة هي ثلاثون آية من قرأها عند نومه كتب له منها ثلاثون حسنة ومحي
عنه ثلاثون سيئة ورفع له ثلاثون درجة وبعث الله إليه ملكا من الملائكة
ليبسط عليه جناحه ويحفظه من كل شيء حتى يستيقظ وهي المجادلة تجادل عن
صاحبها في القبر وهي تبارك الذي بيده الملك ".
5 - وأخرج الديلمي بسند
واه عن أنس رضي الله عنه رفعه " لقد رأيت عجبا رأيت رجلا مات كان كثير
الذنوب مسرفا على نفسه فكلما توجه إليه العذاب في قبره من قبل رجليه أو من
قبل رأسه أقبلت السورة التي فيها الطير تجادل عنه العذاب أنه كان يحافظ علي
وقد وعدني ربي أنه من واظب علي أن لا يعذبه فانصرف عنه العذاب بها وكان
المهاجرون والأنصار يتعلمونها ويقولون : " المغبون من لم يتعلمها وهي سورة
الملك "
6 - أمرني جبريل أن لا أنام إلا على قراءة { حم } السجدة و { تبارك الذي بيده الملك } .
ضعفه الألباني في ضعيف الجامع.
7
- وأخرج عبد الرزاق في المصنف: عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرت عن بن
مسعود قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة
و سبح اسم ربك الأعلى وفي صلاة الصبح يم الجمعة الم تنزيل و تبارك الذي
بيده الملك.
قلت :السند غير متصل.
8 - عبد الرزاق عن معمر بن راشد
عن يحيى بن أبي كثير أقال أمر النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه أن يقرؤا
الم السجدة وتبارك الذي بيده الملك فإنهما تعدل كل آية منهما سبعين آية من
غيرهما ومن قرأهما بعد العشاء الآخرة كانتا له مثلهما في ليلة القدر.
قلت: و يحي بن أبي كثير ثقة ثبت لكنه يدلس و يرسل.
ج – ما لم أقف علي أسناده أو تحقيقه أو فيما سبق غنى عنه:
1 - وأخرج ابن مردويه عن رافع بن خديج وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله
صلى الله عليه و سلم يقول : " أنزلت علي سورة تبارك وهي ثلاثون آية جملة
واحدة " وقال : " هي المانعة في القبور وإن قراءة قل هو الله أحد في صلاة
تعدل قراءة ثلث القرآن وإن قراءة قل يا أيها الكافرون في صلاة تعدل ربع
القرآن وإن قراءة إذا زلزلت في صلاة تعدل نصف القرآن "
2 - وأخرج أبو
عبيد والبيهقي في الدلائل من طريق مرة عن ابن مسعود قال : إن الميت إذا مات
أو قدت حوله نيران فتأكل كل نار يليها إن لم يكن له عمل يحول بينه وبينها
وإن رجلا مات ولم يكن يقرأ من القرآن إلا سورة ثلاثين آية فأتته من قبل
رأسه فقالت : إنه كان يقرؤني فأتته من قبل رجليه فقالت : إنه كان يقوم بي
فأتته من قبل جوفه فقالت : إنه كان وعاني فأنجته .
قال : فنظرت أنا ومسروق في المصحف فلم نجد سورة ثلاثين آية إلا تبارك
وأخرجه الدارمي وابن الضريس عن مرة مرسلا
3
- وأخرج سعيد بن منصور عن عمرو بن مرة قال : كان يقال : إن في القرآن
سورة تجادل عن صاحبها في القبر تكون ثلاثين آية فنظروا فوجدوها تبارك .
4 - وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعا قال : يبعث رجل يوم القيامة لم يترك شيئا
من المعاصي إلا ركبها إلا أنه كان يوحد الله ولم يكن يقرأ من القرآن إلا
سورة واحدة فيؤمر به إلى النار فطار من جوفه شيء كالشهاب فقالت : اللهم إني
مما أنزلت على نبيك صلى الله عليه و سلم وكان عبدك هذا يقرؤني فما زالت
تشفع حتى أدخلته الجنة وهي المنجية تبارك الذي بيده الملك .
5 - وأخرج
ابن الضريس عن مرة الهمذاني قال : أتى رجل من جوانب قبره فجعلت سورة من
القرآن ثلاثون آية تجادل عنه حتى منعته من عذاب القبر فنظرت أنا ومسروق فلم
نجدها إلا تبارك .
و عن ابن مسعود قال: "توفي رجل فأتي من جوانب قبره، فجعلت سورة من القرآن تجادل عنه
6
- وأخرج أبن مردويه من طريق أبي الصباح عن عبد العزيز عن أبيه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : " دخل رجل الجنة بشفاعة سورة من القرآن
وما هي إلا ثلاثون آية تنجيه من عذاب القبر تبارك الذي بيده الملك "
7
- وأخرج ابن مردويه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأ ألم
تنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك كل ليلة لا يدعها في سفر ولا حضر.
***
أخرج ابن عساكر عن علي رضي الله عنه مرفوعا " كلمات من قالهن عن وفاته دخل
الجنة لا إله إلا الله الحليم الكريم ثلاث مرات الحمد لله رب العالمين
ثلاث مرات تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير
و في جامع
الأحاديث عن عبد الله بن جعفر قال : قال لى على يا ابن أخى إنى معلمك كلمات
سمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، من قالهن عند وفاته دخل
الجنة لا إله إلا الله الحليم الكريم ثلاث مرات ، الحمد لله رب العالمين
ثلاث مرات ، تبارك الذى بيده الملك يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير.قال:
(الخرائطى فى مكارم الأخلاق وسنده حسن) .
و تحقيق الألباني (ضعيف) انظر حديث رقم: 4264 في ضعيف الجامع ما بين قوسين ضعيف عند الألباني.
قلت
: و هذا السند الذى ساقه به الخرائطي: حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي(قال
ابن عديّ: أحاديثه مستقيمة سوى حديث الغار. حدَّث به عن الهيثم بن جميل،
عن مبارك، عن الحسن، عن أنس، فكذّبه فيه النّاس وقال الخطيب: كذا روى حديث
الغار عن الهيثم جماعة. وإبراهيم عندناثقة ثبت وقال الدَّارقطنيّ: ثقة ) ،
حدثنا أبي(لم أعرفه) ، حدثنا المعافى بن عمران (قال بن حجر: ثقة عابد فقيه)
حدثنا سليمان بن أبي داود(قال أبو حاتم :ضعيف جدا و قال أبو زرعة:لين
الحديث) ، حدثنا خصيف ، وسالم ، وعبد الكريم ، هذا الحديث ، ثم سمعته من
بديح فكان أقعدهم فيه رواية ، وأثبتهم بديح قال : « كان عبد الله بن جعفر
رضي الله عنهما يحدثنا قال : فأقبل علي بن أبي طالب رضي الله عنه من سفر ،
فلقيناه غلمة من بني عبد المطلب ، فينا الحسن والحسين رضي الله عنهما ،
فلما دفعنا إليه تناولني ، فضمني إليه ، فقال لي : يا ابن أخي ، إني معلمك
كلمات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من قالهن عند وفاته دخل
الجنة : لا إله إلا الله الحليم الكريم ثلاث مرات ، الحمد لله رب العالمين
ثلاث مرات ، تبارك الذي بيده الملك ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير » .
*** قال بن عاشور:
أغراض السورة
والأغراض التي في هذه السورة جارية على سنن الأغراض في السور المكية
ابتدأت بتعريف المؤمنين معاني من العلم بعظمة الله تعالى وتفرده بالملك
الحق ؛ والنظر في إتقان صنعه الدال على تفرده بالإلهية فبذلك يكون في تلك
الآيات حظ لعظة المشركين
صلى الله عليه و سلم عليه الصلاة و السلام
ومن ذلك التذكير بأنه أقام نظام الموت والحياة لتظهر في الحالين مجاري
أعمال العباد في ميادين السبق إلى أحسن الأعمال ونتائج مجاريها وأنه الذي
يجازي عليها وانفراده بخلق العوالم خلقا بالغا غاية الإتقان فيما تراد له
وأتبعه بالأمر بالنظر في ذلك وبالإرشاد إلى دلائله الإجمالية وتلك دلائل
على انفراده بالإلهية وتخلصا من ذلك إلى تحذير الناس من كيد الشياطين
والارتباق معهم في ربقة عذاب جهنم وأن في اتباع الرسول صلى الله عليه و سلم
نجاة من ذلك وفي تكذيبه الخسران وتنبيه المعاندين للرسول صلى الله عليه و
سلم إلى علم الله بما يحوكونه للرسول ظاهرا وخفية بأن علم الله محيط
بمخلوقاته والتذكير بمنة خلق العالم الأرضي ودقة نظامه وملاءمته لحياة
الناس وفيها سعيهم ومنها رزقهم والموعظة بأن الله قادر على إفساد ذلك
النظام فيصبح الناس في كرب وعناء يتذكروا قيمة النعم بتصور زوالها وضرب لهم
مثلا في لطفه تعالى بهم بلطفه بالطير في طيرانها
وأيسهم من التوكل
على نصرة الأصنام أو على أن ترزقهم رزقا وفظع لهم حالة الضلال التي ورطوا
أنفسهم فيها ثم وبخ المشركين على كفرهم نعمة الله تعالى وعلى وقاحتهم في
الاستخفاف بوعيده وأنه وشيك الوقوع بهم ووبخهم على استعجالهم موت النبي
صلى الله عليه و سلم ليستريحوا من دعوته وأوعدهم بأنهم سيعلمون ضلالهم حين
لا ينفعهم العلم وأنذرهم بما قد يحل بهم من قحط وغيره .
*** افتتحت
السورة بما يدل على منتهى كمال الله تعالى افتتاحا يؤذن بأن ما حوته يحوم
حول تنزيه الله تعالى عن النقص الذي افتراه المشركون لما نسبوا إليه شركاء
في الربوبية والتصرف معه والتعطيل لبعض مراده ففي هذا الافتتاح براعة
الاستهلال.
*** { تبارك } :
1 – قال أبو حيان: أي تعالى وتعاظم.
2 –قال الزجاج : تبارك : تفاعل من البركة كذلك يقول أهل اللغة ، قال الرازي: والبركة كثرة الخير وزيادته وفيه معنيان :
أحدهما : تزايد خيره وتكاثر ، وهو المراد من قوله : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم : 34 ] .
والثاني : تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في ذاته وصفاته وأفعاله ، وهو المراد من قوله : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء } [ الشورى : 11 ] .
قال
بن عاشور: وفعل ( تبارك ) يدل على المبالغة في وفرة الخير وهو في مقام
الثناء يقتضي العموم بالقرينة أي يفيد أن كل وفرة من الكمال ثابتة لله
تعالى بحيث لا يتخلف نوع منها عن أن يكون صفة له تعالى .
وصيغة تفاعل
إذا أسندت إلى واحد تدل على تكلف فعل ما اشتقت منه نحو تطاول وتغابن وترد
كناية عن قوة الفعل وشدته مثل : تواصل الحبل وهو مشتق من البركة وهي زيادة
الخير ووفرته وتقدمت .
3 - وقال آخرون : أصل الكلمة تدل على البقاء ،
وهو مأخوذ من بروك البعير ، ومن بروك الطير على الماء ، وسميت البركة بركة
لثبوت الماء فيها ، والمعنى أنه سبحانه وتعالى باق في ذاته أزلاً وأبداً
ممتنع التغير وباق في صفاته ممتنع التبدل ، ولما كان سبحانه وتعالى هو
الخالق لوجوه المنافع والمصالح والمبقى لها وجب وصفه سبحانه بأنه تبارك
وتعالى .
4 – قال بن منظور في لسان العرب: البَرَكة النَّماء والزيادة .
وقال الفراء في قوله رحمة الله وبركاته عليكم قال البركات السعادة .
وفي حديث الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبارِكْ على محمد وعلى آل محمد أي أَثْبِتْ له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة
وهو من بَرَكَ البعير إذا أناخ في موضع فلزمه وتطلق البَرَكَةُ أيضاً على الزيادة والأَصلُ الأَولُ.
وتَبَارك الله أي بارك الله مثل قاتَلَ وتَقاتَلَ إلا أن فاعلَ يتعدى وتفاعلَ لا يتعدى .
قال الأَزهري معنى بَرَكة الله عُلُوُّه على كل شيء .
وتباركَ الله تقدَّس وتنزه وتعالى وتعاظم لا تكون هذه الصفة لغيره أي تطَهَّرَ والقُدْس الطهر.
وسئل أبو العباس عن تفسير تبارَكَ اللهُ فقال ارتفع والمُتبارِكُ المرتفع .
وروى ابن عباس ومعنى البَرَكة الكثرة في كل خير وقال في موضع آخر تَبارَكَ تعالى وتعاظم .
وقال ابن الأَنباري تبارَكَ الله أي يُتَبَرَّكُ باسمه في كل أمر.
وقال الليث في تفسير تبارَكَ الله تمجيد وتعظيم وتبارَكَ بالشيء تَفاءَل به.
قال
الزجاج في قوله تعالى وهذا كتاب أنزلناهُ مبارك قال المبارك ما يأتي من
قِبَله الخير الكثير وهو من نعت كتاب ومن قال أنزلناه مباركاً جاز في غير
القراءة
و قال اللحياني بارَكْتُ على التجارة وغيرها أي واظبت عليها .اه بتصرف
**
قلت: فكما ذكر بن عاشور هنا أن صيغة تفاعل ترد على وجهين أولهما:تكلف
الفعل الذى اشتقت منه و الثاني و هو المقصود و الله أعلم هو ورودها كناية
عن شدة الفعل و قوته و هو المقصود هنا.
و البركة :الزيادة و النماء و الكثرة في كل خير و زيادة الخير ووفرته.
و هنا يرد لها الوجهان:
الأول:
فإذا كانت في حق الله فتكون بمعنى تقدس و تعاظم و تنزه عن كل سوء و اكتمل
فيه سبحانه كل فضل و علا عن كل شيء في ذاته و صفاته و أفعاله .
الثاني: في حق الخلق فهو الذى فاض خيره و عم فكل خير من فضله و جوده و كل إحسان من رحمته و هكذا.
***
قال بن عاشور: وهذا الكلام يجوز أن يكون مرادا به مجرد الإخبار عن عظمة
الله تعالى وكماله ويجوز أن يكون مع ذلك إنشاء ثناء على الله أثناه على
نفسه وتعليما للناس كيف يثنون على الله ويحمدونه كما في ( الحمد لله رب
العالمين ) : إما على وجه الكناية بالجملة عن إنشاء الثناء وإما باستعمال
الصيغة المشتركة بين الإخبار والإنشاء في معنييها ولو صيغ بغير هذا الأسلوب
لما احتمل هذين المعنيين .
*** و كل خير في الدنيا إنما هو من الله
و الإنسان - وهو مخلوق من أعداد لا يحصيها إلا الله من المخلوقات - إن يعد
نعمة الله لا يحصيها فهو كله نعم سمعه نعمه و بصره نعمه و جسده نعمه و
روحه نعمه و رزقه نعمه و كل ثانية من الثواني يتجدد عليه من نعم الله ما لا
يحصيه و لا يعلمه و لو فقد نعمه من هذه النعم فقط واحده لتوجع و استغاث و
ربما سخط و ساء ظنه و المسكين لا ينتبه إلى باقي النعم التى لا تحصر و أن
شر الدنيا ليس بشر على الحقيقة إنما هو ابتلاء ليستخرج الله به ما في
النفوس و أن الله لا يبتليه ليهينه و لا ليعذبه إنما هو اختبار فراسب و
ناجح و نسأل الله العافية و دوامها و تمامها و الحمد و الشكر عليها و نسأل
الله من كل خير خزائنه بيد و نعوذ به من كل شر خزائنه بيده.
فالإنسان
عبارة عن كتلة مجسده من النعم الإلهية وجوده نعمة حياته نعمة صحته نعمة
ماله نعمه و هكذا بل كل ما في الكون من خير على وفرته و ككثرته و عظمته و
نحن لا ندرك من الكون إلا القليل إنما هو من الله .
و تأمل في خلق الله
الإنسان على هذه الكيفية من الطمع لو له واديان من ذهب لتمنى لهم ثالثا،
خلقه الله على هذه الكيفية لا ليعطية ما يريد بل ليعطيه فوق ما يريد و لم
يخطر له بباله قط لتعلم أن الله عظيم الكرم و الإحسان.
*** "بيده الملك":
و هنا لطيفتان:
الأولى:أن
تقديم المسند وهو ( بيده ) على المسند إليه لإفادة الاختصاص أي الملك بيده
لا بيد غيره وهو قصر مبني على عدم الاعتداد بملك غيره ولا بما يتراءى من
إعطاء الخلفاء والملوك الاصقاع للأمراء والسلاطين وولاة العهد لأن كل ذلك
ملك غير تام لأنه لا يعم المملوكات كلها ولأنه معرض للزوال وملك الله هو
الملك الحقيقي قال ( فتعالى الله الملك الحق ) فالناس يتوهمون أمثال ذلك
ملكا وليس كما يتوهمون .
الثانية : أن التعريف في ( الملك ) على هذا
الوجه تعريف الجنس الذي يشمل جميع أفراد الجنس وهو الاستغراق فما يوجد من
أفراده فرد إلا وهو مما في قدرة الله فهو يعطيه وهو يمنعه .
*** قال
بن عاشور:والملك بضم الميم : اسم لأكمل أحوال الملك بكسر الميم والملك
بالكسر جنس للملك بالضم وفسر الملك المضموم بضبط الشيء المتصرف فيه بالحكم
وهو تفسير قاصر وأرى أن يفسر بأنه تصرف في طائفة من الناس ووطنهم تصرفا
كاملا بتدبير ورعاية فكل ملك " بالضم " ملك " بالكسر " وليس كل ملك ملكا .
***
فالله سبحانه له كمال الملك أختص به وحده كل ما في الكون مِلكه و خاضعة
لأمره و مُلكه ليس لأحد دونه ذرة من مُلك أو مِلك حقيقي و كل ملك في الدنيا
مجازى فكلها عواري مستعارة توشك أن تفارق أصحابها إلى غيرهم لتتم الفتنة و
الابتلاء في الدنيا و ما دام الملك لأحد في الدنيا و لو ثبت لمن قبلنا لما
وصل إلينا و لو صدق ظن الأمم المتجبرة التي قهرت الخلق في وقت ما أنه لا
يزول ملكها
لما رأينا تحول الملك من أمة لأمة أبدا.
و الحق أن الله سبحانه منفرد بملك السموات و الأرض و من فيهن و ما سوى ذلك لا شريك له و لا معين و لا نظير و لا كفء و
يؤتي
الملك من يشاء و ينزع الملك ممن يشاء و يعز من يشاء و يذل من يشاء لا راد
لأمره و لا معقب لحكمه أمره متحقق و قهره نافذ و البشر في دنياهم يبتلون
بصور الملك – و هم على الحقيقة لا يملكون ذرة فما دونها بل حتى لا يملكون
أنفسهم و لا يملكون لأنفسهم شيء- ليستخرج الله بها ما في النفوس و كل يسطر
في صحيفته ما سيلقى به ربه - فاللهم غفرا- فهذا متكبر و ذاك جبار و أخر
محارب لله و رسله و غيرهم .
الله الملك له الحكم الكوني النافذ فإذا
أراد شيئا يقول له كن فيكون مهما كان و مهما بلغ لا يعجزه شيء و لا يتعاظمه
شيء يمهل العباد رحمة و حكمة و يبتلى أحدهم بالضراء ليرى سبحانه عمله و
يبتلى أحدهم بالملك و السلطان ليرى عمله فذاك مبتلى و ذاك مبتلى و هم عند
الله سواء أكرمهم عليه أتقاهم و رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على
الله لأبره و هو عند الله خير من ملء الأرض من المتكبرين و المتجبرين.
من
أكرم يوسف أم الملك ؟موسي أم فرعون؟ هود و صالح و لوط أم الملأ من قومهم؟
الإجابة التي لا ريب فيها أنهم خير من ملء الأرض من أمثال هؤلاء .
فالله
هو الذي أعطى كل إنسان رزقه و هو سبحانه قادر على نزعه في أي لحظة فكيف
يتكبر أحد على ربه و بماذا أيتكبر بالعارية المسترده من ربه التى لا يأمن
زوالها؟ أيتكبر على الخلق بما أعطاه الله منه و فضلا أو ابتلاء و حكمه و هو
لا يعرف مصيره في أى لحظه فضلا عن مصير ما في يديه.
و الله له الحكم و
الأمر الشرعي النافذ فهو المستحق لأن يطاع هو الملك على الحقيقة خلق و دبر و
رزق و عدل و رحم فمن أولي منه بالطاعة و الأنقياد و تمام الحب و الخضوع
فمن نازعه أمر فقد نازعه ربوبيته.
و الله يمكن للأمة العادلة و لو
كافرة و ينزع الملك من الظالمة و لو مسلمة و الله له في شأنه تدبير و تصريف
على أتم الحكمة و الرحمة و هو أعلم سبحانه و الأمة الظالمة و لو مسلمة
فتنة للناس في دينها وعذاب لها في دنياها.
و هل أفسد الدين إلا الملوك و أحبار سوء و رهبانها
و الله سبحانه لا يتصرف في ملكة إلا بتمام الحمد و الخلق يحاسبون بمثاقيل
الذر إلا ما عفا الله "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة
شرا يره" فالحكمة تامة و الرحمة تامة فلا تظنن أبدا أن الله غافلا عما يعمل
الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار و لا تظنن الله يظلم أحدا و
لا يغبن أحدا فالله أعظم و أكرم من ذلك و الخير و الشر في الدنيا مجاز إنما
الخير و الشر في الآخرة .
أين ملك الملوك و أين قهرهم و جنودهم و أنصارهم و عبادهم أين ذهبوا هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا
أين
فرعون و زبانيته؟ و أين النمرود و حاشيته .و أين الجنود ؟ فرعون و ثمود؟
أين الرؤساء و الجنرالات و اللواءات و الضباط؟ أين من قهروا الأمم و أذلوا
الشعوب و ساموا الخلق سوء العذاب.
و لو سمت همة رجل فقام فأمر و نهى
طاغية فصبر على ما أصابه في الله انتهى الأمر و لا يستوون فالأول من سادة
الشهداء و الأخر من الجبابرة الطغاه و نسأل الله العافية.
و الله سبحانه
يستحق حمدا لا يقدر مقداره إلا هو على عدله و ملكه و رحمته و سائر أسماءه و
صفاته و إلا فلو لم يكن الله سبحانه عادلا برا لا رحيما فماذا كان الخلق
سيفعلون ؟ و فالمخلوق يرحم ليرحم و الله يرحم لأنه رحيم و المخلوق يعدل
خوفا من العقوبة أو خوفا من أن يظلم و الله يعدل لأن صفته العدل و المخلوق
يَبر ليُبر و الله هو البر الرحيم و هكذا.
*** وجملة ( وهو على كل
شيء قدير ) معطوفة على جملة ( بيده الملك ) التي هي صلة الموصول وهي تعميم
بعد تخصيص لتكميل المقصود من الصلة إذ أفادت الصلة عموم تصرفه في الموجودات
وأفادت هذه عموم تصرفه في الموجودات والمعدومات بالإعدام للموجودات
والإيجاد للمعدومات فيكون قوله ( وهو على كل شيء قدير ) مفيدا معنى آخر غير
ما أفاده قوله ( بيده الملك ) تفادي من أن يكون معناه تأكيدا لمعنى ( بيده
الملك ) وتكون هذه الجملة تتميما للصلة . وفي معنى صلة ثانية ثم عطفت ولم
يكرر فيها اسم موصول بخلاف قوله ( الذي خلق الموت ) وقوله ( الذي خلق سبع
سماوات ) .
*** قال بن عاشور: و ( شيء ) : ما يصح أن يعلم ويخبر عنه
وهذا هو الإطلاق الأصلي في اللغة . وقد يطلق ( الشيء ) على خصوص الموجود
بحسب دلالة القرائن والمقامات .
*** وتقديم المجرور في قوله ( على
كل شيء قدير ) للاهتمام بما فيه من التعميم ولإبطال دعوى المشركين نسبتهم
الإلهية لأصنامهم مع اعترافهم بأنه لا تقدر على خلق السماوات والأرض ولا
على الإحياء والإماتة .
*** الله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء بل
لا يتعاظمه شيء قال تعالى "الله خالق كل شيء و هو على كل شيء وكيل" الأرض
في ملكه ذره و عظمته صفة له لا نحيط بكنهها و لا حول و لا قوة إلا به.
فكل
جبار لا يستطيع ان يحرك ذرة إلا بإذن الله و إنما مكنهم الله حكمة و عدلا و
في الحياة الحقيقة في الآخرة لا سبيل لذلك إنما هى فتنة و ابتلاء مؤقت .
وغاية
مرادك من الله قليل قليل في ملكه و إنما الأمر في رضاه و إنما الأمر أن
يريد و يأذن و سبيل ذلك أن يحبك و يرضى عنك و سبيل ذلك العمل الصالح فذلك
العمل الصالح سبيلك إلى كل كرامة و سعادة لم تخطر ببالك قط على حرصك و طمعك
فخذ من الخير و أساله و أرجه و أقبل بقلبك و روحك و أعظم الطلب و الرجاء و
استغفر من الذنب اسأله باسمه الأعظم و توسل إليه به و استعن به و توكل
عليه فهو على كل شيء قدير و من تدبر في هذه الصفات لا بد أن يرجو بقلبه و
يشتد رجاءه و الله المستعان.
*** الأية جمعت ثلاثة حقائق من أعظم حقائق الكون:
الأولى
:أن الله تقدس في ذاته فتنزه عن كل شر و كمل فيه كل خير و عظم خيره حتى
فاضت بحور إنعامه على خلقه في الدنيا فما بالك بالمصطفين في الآخرة.
الثانية:أن
الملك كله في يديه يدبره بتمام الحمد و الخلق مبتلون بما فيما بين أيديهم
من السلطان و لا ملك لهم على الحقيقة إنما هي عارية مسترده.
الثالثه: أنه سبحانه لا يعجزه شيء و لا يتعاظمه بل هو على كل شيء قدير.
و اجتماع الملك التام مع القدرة التامة يعطي كمالا فوق الكمال فإذا كملت
صفات الذات مع ذلك عظم ذلك الكمال فإذا أضيف لذلك أن عم خيره و فاض و
انتشر فهذا هو تفسير الأية التي بين أيدينا.
فهذا هو الله الذي نعبده و
نخضع له و نحبه و هذه قوانين الحياة التي نحياها علمها من علمها و جهلها من
جهلها و شاء كمن شاء و أبى من أبى و رضي من رضي و سخط من سخط .
إذا
استحضر المسلم هذه المعاني في قلب فلا شك أنه بعدها لن يكون كحاله قبلها و
الله أعلم و هو المستعان نسأله العافيه و العفو و الغفران.
و ما أشبه
هذه الأية بالذكر المأثور "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له
الحمد و هو علي كل شيء قدير" فإن "تبارك" فيها تقديس الله و تنزيهه عن
الشريك و المثيل و عن كل ما لا يليق به سبحانه و أيضا التقديس يلزم منه
تمام الحمد و بعد ذلك يشترك النصان في الفضائل.
و لا يخفى أن هذا الذكر من أعظم الأذكار إن لم يكن أعظمها على الإطلاق فاشتراك الأية معه في المعنى يدل على عظمة هذه الأية و فضلها .
بل أقول و لله العلم أن السورة سميت بسورة الملك من هذه الأية الجليلة التى فيها تمام الملك و تمام الحمد و القدرة.
*** الفوائد العملية في الأية:
1 – هذه السورة فيها إشارة لعظيم ملك الله و بذلك سميت فليتدبر ذلك.
2 – و هي مكية أي من القرآن الذي يغرس العقائد التي تبنى عليها الشخصية المسلمة.
3 – و هي تشفع لصاحبها حتى يغفر له خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة.
4 – و هي المانعة من عذاب القبر.
5 – و من قرأها في ليله فقد أكثر و أطيب و كان النبيصلى الله عليه و سلم لا يدعها كل ليلة .
6 – معنى "تبارك" و من تقدس في ذاته و فاض خيره فما أعظم كماله.
7 – التدبر في تقديس الله و فيضان خيره على خلقه ذلك علاج عظيم لأمراض القلب و وساوس الشيطان.
8 – تدبر أن الملك الحقيقي لله و كل ما سوى ذلك عوارى مسترده ابتلاء و حكمه فلينظر كل امرئ ما يسطر في صحيفته.
9 – أن لا يغتر بحال الظلمة و الجبابرة و الطغاة و كم فتن بهم من أقوام و يوم القيامة يتلاعنون و لا يغني بعضهم عن بعض شيئا.
10 – تدبر أن الله قدير على كل شيء و لكماله سبحانه لا يتعاظمه شيء.
11
– و سبيل السعادة:خذ من الخير ما استطعت و أساله و أرجه و أقبل بقلبك و
روحك و أعظم الطلب و الرجاء و استغفر من الذنب اسأله باسمه الأعظم و توسل
إليه به و استعن به و توكل عليه فهو على كل شيء قدير.
12 – تدبر الكمال المركب في هذه الأية.
تفسير سورة الملك | الآية الثانية
"الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور" الآية :2
** قال بن عاشور: ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور) صفة ل ( الذي بيده الملك ) .
و
الآية السابقة ذكرت عموم القدرة و من أعظم ما تظهر فيه القدرة صفة الخلق
فذكر سبحانه هنا مخلوقين من أعجب ما يكون بهما قهر الخلق و ظهر ملكه و
سلطانه عليهم "كل من عليها فان و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام" و هما
الموت و الحياة.
و لا يفوت هنا تذكر محاجة إبراهيم صلى الله عليه و سلم
للملك "إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي و يميت قال أنا أحيي و أميت" قالها
الملك بطرا للحق و هو يعلم أنه مقهور بالموت .
فالله العظيم بيده الموت و
الحياة فمن ممن دونه يملك ذلك لنفسه فضلا عن غيره و من ممن يعظم الخلق
مهما بلغ من سلطان في الدنيا لا يدخل تحت هذا القهر فاللهم غفرا.
فهذا
مدعاة لوضع الأمور في نصابها الصحيح فالله سبحانه رفع بعض الخلق على بعض في
الدنيا ابتلاء و ليس هذا الحال الذي ستدوم عليه الأمور و توشك أن تستوي
الرؤوس في الآخرة بل لن تستوي فليس المسلمين كالمجرمين قال سبحانه "و الذين
اتقوا فوقهم يوم القيامة".
**"خلق الموت و الحياة":
1 – وردت مجموعة من الأثار أن الحياة فرس جبريل و الموت كبش أملح:
*أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : والذي خلق الموت والحياة قال : الحياة فرس جبريل عليه السلام والموت كبش أملح .
*وأخرج
أبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال : خلق الله الموت كبشا أملح
مستترا بسواد وبياض له أربعة أجنحة جناح تحت العرش وجناح في الثرى وجناح في
المشرق وجناح في المغرب .
* و في روضة المحدثين عن ابن عباس قال :
الموت و الحياة جسمان فالموت كبش لا يجد ريحه شىء إلا مات ، و الحياة فرس
بلقاء أنثى و هى التى كان جبريل و الأنبياء يركبونها لا تمر بشىء و لا يجد
ريحها شىء إلا حيى .
قال الحافظ فى " الفتح " : من الأخبار الواهية فى صفة البراق .
*و
في تفسير اللباب: روى الكلبي عن ابن عبَّاسٍ : أن الله - تعالى - خلق
الموت في صورة كبش أملح لا يمر بشيء ، ولا يجد رائحته شيء إلاَّ مات ، وخلق
الحياة في صورة فرس بلقاء فوق الحمار ودون البَغْل لا تمر بشيء ، ولا يجد
رائحتها شيء إلا حيي .
قلت: و الكلبي ضعيف لا يحتج به.
و فيه :حكى
ابنُ عباس ، والكلبي ومقاتلٌ : أن الموت والحياة يجسمان ، فالموت في هيئة
كبْش لا يمر بشيء ، ولا يجد ريحه إلا مات ، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى
بلقاءَ وهي التي كان جبريل والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - يركبونها ،
خطوتُها أمدُ البصر فوق الحمار ودون البغل ، لا تمر بشيء يجد ريحاً إلا
يحيى ، ولا تطأ على شيء إلا حيي ، وهي التي أخذ السَّامري من أثرها ،
فألقاها على العِجْل فحيي .
حكاه الثعلبي والقشيري عن ابن عباس ، والماوردي معناه عن مقاتل والكلبي .
**حديث
"إذا دخل أهل الجنة الجنة و أهل النار النار يجاء بالموت كأنه كبش أملح
فيوقف بين الجنة و النار فيقال : يا أهل الجنة هل تعرفون هذا ؟
فيشرئبون فينظرون و يقولون : نعم هذا الموت و كلهم قد رآه ثم ينادى :
يا أهل النار هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون فينظرون فيقولون : نعم هذا
الموت و كلهم قد رآه فيؤمر به فيذبح و يقال : يا أهل الجنة خلود و لا موت
و يا أهل النار خلود و لا موت" . صححه الألباني
قال القاضي عياض: (
قال بعض أهل المعاني: واختلاف اللونين في هذا التمثيل يحتمل أنه لاختلاف
الحالين، فالبياض لجهة أهل الجنة الذين ابيضت وجوههم، والسواد لأهل النار
الذين اسودت وجوههم) .اه
و في تحفة الأحوذى: قال القرطبي الحكمة في الإتيان بالموت هكذا الإشارة إلى أنهم حصل لهم الفداء به كما فدى ولد إبراهيم بالكبش
وقال بن العربي استشكل هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل لأن الموت عرض
والعرض لا ينقلب جسما فكيف يذبح فأنكرت طائفة صحة هذا الحديث ودفعته
وتأولته طائفة فقالوا هذا تمثيل ولا ذبح هناك حقيقة وقالت طائفة بل الذبح
على حقيقته والمذبوح متولى الموت وكلهم يعرفه لأنه الذي تولى قبض أرواحهم .
وقال المازري: الموت عندنا عرض من الأعراض وعند المعتزلة ليس بمعنى بل
معناه عدم الحياة وهذا خطأ لقوله تعالى خلق الموت والحياة فأثبت الموت
مخلوقا وعلى المذهبين لا يصح أن يكون كبشا ولا جسما وأن المراد بهذا
التمثيل والتشبيه ثم قال وقد يخلق الله تعالى هذا الجسم ثم يذبح ثم يجعل
مثالا لأن الموت لا يطرأ على أهل الاخرة
وقال القرطبي في التذكرة
الموت معنى والمعاني لا تنقلب جوهرا وإنما يخلق الله أشخاصا من ثواب
الأعمال وكذا الموت يخلق الله كبشا يسميه الموت ويلقى في قلوب الفريقين أن
هذا الموت يكون ذبحه دليلا على الخلود في الدارين .
وقال غيره: لا مانع
أن ينشئ الله من الأعراض أجسادا يجعلها مادة لها كما ثبت في مسلم في حديث
أن البقرة وآل عمران يجيئان كأنهما غمامتان ونحو ذلك من الأحاديث. انتهى
قال صاحب التحفة: هذا القول الأخير هو المعتمد .
2 – قال أبو حيان : ومعنى { خلق الموت } : إيجاد ذلك المصحح وإعدامه ، والمعنى : خلق موتكم وحياتكم أيها المكلفون .
قال
بن عاشور: ومعنى خلق الحياة : خلق الحي لأن قوام الحي هو الحياة ففي خلقه
خلق ما به قوامه وأما معنى خلق الموت فإيجاد أسبابه وإلا فإن الموت عدم لا
يتعلق به الخلق بالمعنى الحقيقي ولكنه لما كان عرضا للمخلوق عبر عن حصوله
بالخلق تبعا كما في قوله تعالى ( والله خلقكم وما تعملون ).
وأيضا لأن الموت تصرف في الموجود القادر الذي من شأنه أن يدفع عن نفسه ما يكرهه .
والموت مكروه لكل حي فكانت الإماتة مظهرا عظيما من مظاهر القدرة لأن فيها تجلي وصف القاهر
فأما الإحياء فهو من مظاهر وصف القادر ولكن مع وصفه المنعم
فمعنى القدرة في الإماتة أظهر وأقوى لأن القهر ضرب من القدرة
ومعنى القدرة في الإحياء خفي بسبب أمرين بدقة الصنع وذلك من آثار صفة العلم وبنعمة كمال الجنس وذلك من آثار صفة الإنعام .
والمعنى
: أنه خلق الموت والحياة ليكون منكم أحياء يعملون الصالحات والسيئات ثم
أمواتا يخلصون إلى يوم الجزاء فيجزون على أعمالهم بما يناسبها.
3 –وقيل :
كنى بالموت عن الدنيا ، إذ هو واقع فيها ، وعن الآخرة بالحياة من حيث لا
موت فيها ، فكأنه قال : هو الذي خلق الدنيا والآخرة ، وصفهما بالمصدرين ،
وقدّم الموت لأنه أهيب في النفوس.
روى عطاء عن ابن عباس قال : يريد الموت في الدنيا والحياة في الآخرة دار الحيوان.
4
– قال الرازى: قالوا : الحياة هي الصفة التي يكون الموصوف بها بحيث يصح أن
يعلم ويقدر واختلفوا في الموت ، فقال قوم : إنه عبارة عن عدم هذه الصفة
وقال أصحابنا : إنه صفة وجودية مضادة للحياة واحتجوا على قولهم بأنه تعالى
قال : { الذى خَلَقَ الموت } والعدم لا يكون مخلوقاً هذا هو التحقيق.
5 -
وعن مقاتل : « خَلَقَ المَوْتَ » يعني : النُّطفة والعلقة والمُضغة ،
وخلق الحياة ، يعني خلق إنساناً ، ونفخ فيه الروح ، فصار إنساناً .
قلت
(شريف): و كما قال صاحب التحفة قد ينشئ الله للأعراض أجساما يوم القيامة و
لا يلزم من كون الموت يؤتى به يوم القيامة على هيئة كبش أملح أن هذه
الكيفية التي خلق عليها فهذا لا يستطيع أحد أن يثبته أو ينفيه إلا بأثر و
الأثار الواردة لا حجة فيها إلا الحديث الأخير و كون الموت و الحياة فيما
يبدو للخلق أعراض تعرض للخلق و ليست أجسام محسوسة لا ينفى أن يكون له من
الكيفية و الخلقه ما نجهله و يعلمه الله فالأولى و الصواب الإيمان بما
أوحاه الله سبحانه إلى نبيه و عدم تكلف تأويله و أخذ العبرة المطلوبة منه و
عدم القول و الخوض في الدين بغير علم فلو كان ذلك مهما في أمر المعاد
لأوضحه الله سبحانه غاية الإيضاح و لكنه كعدد أصحاب الكهف و غير ذلك مما لا
نفع في تحقيقه بل المقصود من ذكره العبرة و العظة لا الانشغال بكيفيته و
الله أعلم.
قال تعالي في سورة الإسراء :" (48) وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا
عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ
كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي
صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ
أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى
هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)"
قال بعض أهل التفسير :"أو
خلقا مما يكبر في صدوركم" قالوا الموت فلو كنتم حجارة أو حديدا أو الموت
نفسه لم تعجزوا الله سبحانه أن يبعثكم و يعيدكم و الله لا يعجزه شيء و لا
يتعاظمه شيء .
في صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال :
دخلت على النبي صلى الله عليه و سلم وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني
تميم فقال ( اقبلوا البشرى يا بني تميم ) . قالوا قد بشرتنا فأعطنا مرتين
ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال ( اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم
يقبلها بنو تميم ) . قالوا قد قبلنا يا رسول الله قالوا جئناك نسألك عن هذا
الأمر قال ( كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر
كل شيء وخلق السماوات والأرض ) .
قال بن حجر في الفتح:قوله كان الله
ولم يكن شيء غيره في الرواية الآتية في التوحيد ولم يكن شيء قبله وفي رواية
غير البخاري ولم يكن شيء معه والقصة متحدة فاقتضى ذلك أن الرواية وقعت
بالمعنى ولعل راويها أخذها من قوله صلى الله عليه و سلم في دعائه في صلاة
الليل كما تقدم من حديث بن عباس "أنت الأول فليس قبلك شيء" لكن رواية الباب
أصرح في العدم وفيه دلالة على أنه لم يكن شيء غيره لا الماء ولا العرش ولا
غيرهما لأن كل ذلك غير الله تعالى .
الله الملك هو الأول فليس قبله شيء
و لم يكن له كفئا أحد و هو خالق كل شيء فكل ما سواه مخلوق مقهور مربوب خلق
الله سبحانه الأجسام و المخلوقات المختلفه فمنها الجماد و منها النبات و
منها الأحياء و خلق سبحانه الأعراض التي تعرض لها خلق الموت و الحياة و
الصحة و المرض و السعادة و الشقاء و الألم و الراحة و الجوع و الشبع و غير
ذلك و لا ندرى كيفية خلق هذه الأعراض و هل لها أجسام لا نعلمها ؟ أم هي
كإدراكنا لها مجرد أعراض؟ فلله العلم.
و أحكم
الله سبحانه خلقه و أتقنه في كل جزء منه و فرع فترى ألاف الأبحاث فقط حول
مخلوق واحد و لا تشمل كل ما فيه و الخلق أعجز من أن يخلقوا ذبابة.
و
الزمان شيء و المكان شيء و الله خالق كل شيء فهما مخلوقان و لكن كيفيتهما
فهذا تحار فيه الألباب و النهى و ليس فيه أثارة من علم يستدل بها و نحن
خلقنا محاطين بهذه الحدود فلا نتصور غيرها و إعمال العقل في ذلك لن يوصل
لنافع.
و ليس لنا البحث في ذات ا