السنة
في الأصل هي كل ما أضيف للرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو
تقرير أو صفة خلقية أو خلقية , هذا هو معنى السنة , ففي الأصل هي الطريقة ,
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء
الراشديين المهديين عضوا عليها بالنواجذ " رواه أبوداود والترمذي من حديث
العرباض بن سارية رضي الله عنه , فكل ما كان على طريقته صلى الله عليه وسلم
فهو من سنته , فقد يكون المأمور به في سنته مستحباً أو واجباً حسب ما
تقتضيه الأدلة .
ثم شاع عند المتأخرين أن السنة هي بمعنى المستحب
والمندوب وهو الذي جرى عليه عمل أهل الأصول والفقه وهذا المعنى هو المراد
في هذه الورقات , فالسنة على هذا المقصود : هي ما أمر بها الشارع ليس على
وجه الإلزام , وثمرتها : أنه يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها .
- نماذج من حرص السلف على السنة
-
روى مسلم في صحيحه حديث النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
أَوْسٍ. قَالَ: حَدَّثَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ:
سَمِعْتُ أُمَّ حَبِيبَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه
وسلم يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ». قَالَتْ أُمُّ
حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللّهِ
صلى الله عليه وسلم .
وَقَالَ عَنْبَسَةُ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ أُمِّ حَبِيبَةَ.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ: مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَنْبَسَةَ.
وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ: مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ.
-
حديث عَلِي رضي الله عنه : أَنَّ فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ
الرَّحَى فِي يَدِهَا. وَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ.
فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ. وَلَقِيَتْ عَائِشَةَ. فَأَخْبَرَتْهَا.
فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ
بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ إِلَيْهَا. فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
إِلَيْنَا. وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا. فَذَهَبْنَا نَقُومُ. فَقَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «عَلَى مَكَانِكُمَا» فَقَعَدَ بَيْنَنَا
حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِي. ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ
أُعَلِّمُكُمَا خَيْراً مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا
مَضَاجِعَكُمَا، أَنْ تُكَبِّرَا اللّهَ أَرْبَعاً وَثَلاَثِينَ.
وَتُسَبِّحَاهُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ. وَتَحْمَدَاهُ ثَلاَثاً
وَثَلاَثِينَ. فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ». رواه البخاري ومسلم .
وفي
رواية : قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه : مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ
مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . قِيلَ لَهُ: وَلاَ لَيْلَةَ
صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلاَ لَيْلَةَ صِفِّينَ.
ومعلومٌ أن ليلة صفين ليلة دارت فيها معركة كان عليٌّ رضي الله عنه قائداً فيها ومع ذلك لم ينشغل عن هذه السنة .
-
كان ابن عمر رضي الله عنه يصلي على الجنازة ثم ينصرف ولا يتبعها ظانَّاً
أن هذا هو كمال السنة , ولم يعلم بالفضل الوارد في إتباعها حتى تدفن , فلما
بلغه حديث أبي هريرة رضي الله عنه ندم على فوات السنة وتأمل ماذا قال .
عن عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ وَقَّاصٍ ، أَنَّهُ كَانَ قَاعِداً عِنْدَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. إذْ طَلَعَ خَبَّابٌ صَاحِبُ الْمَقْصُورَةِ.
فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ! أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ
أَبُو هُرَيْرَةَ؟ إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
يَقُولُ: «مَنْ خَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا.
ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ.
كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ. وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ
لَهُ مِنَ الاٌّجْرِ مِثْلُ أُحُدٍ»؟ فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله
عنه خَبَّابَّاً إلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ أَبِي
هُرَيْرَةَرضي الله عنه . ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ مَا
قَالَتْ: وَأَخَذَ ابْن عُمَرَ قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءِ الْمَسْجِدِ
يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ. حَتَّى رَجِعَ إلَيْهِ الرَّسُولُ , فَقَالَ:
قَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه . فَضَرَبَ ابْنُ
عُمَرَ بِالْحَصَى الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الاٌّرْضَ . ثُمَّ قَالَ:
لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ. رواه البخاري ومسلم .
قال
النووي : " وفيه ما كان الصحابة عليه من الرغبة في الطاعات حين يبلغهم ,
والتأسف على ما يفوتهم منها وإن كانوا لا يعلمون عظم موقعه "
- حديث
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ قَرِيباً لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ
خَذَفَ . قَالَ فَنَهَاهُ وَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللّهِ نَهَى عَنِ
الْخَذْفِ وَقَالَ: «إنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْداً وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوّاً.
وَلكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ» قَالَ فَعَادَ
فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ نَهَى عَنْهُ ثُمَّ تَخْذِفُ
لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَداً. رواه البخاري ومسلم , والخذف هو رمي الإنسان
بحصاة أو نواة ونحوهما يجعلها بين أصبعيه السبابتين أو الإبهام والسبابة.
والنماذج
في حفاظهم على السنة وتعظيمها كثيرة ولا عجب فقد كانوا أحرص الناس على
الخير , وهكذا تأثر بهم مَن بعدهم من السلف والقرون المفضلة , وأصبح
التأريخ يسطر لنا ممن تبع أولئك الرجال في التمسك بالسنة نماذج تشجع النفس
على الحرص على السنة واقتفائها , فهذا الإمام أحمد رحمه الله وضع في كتابه
المسند فوق أربعين ألف حديث، لكنه عمل بها كلها، قال: ما تركت حديثاً إلا
عملت به، ولما قرأ " أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة
الحجام ديناراً " قال: احتجمت وأعطيت الحجام ديناراً، والدينار أربعة
غرامات وربع من الذهب، لكن لأجل تطبيق الحديث بذلها الإمام أحمد رحمه الله
تعالى , والنماذج في هذا الصدد كثيرة , نسأل الله أن يحيي سنة نبينا صلى
الله عليه وسلم في قلوبنا لتنال من الفضائل والمِنَحِ والقُرْبِ من الله
سبحانه وتعالى ما استودعه في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم , فباتباع السنة
ينال الإنسان ذلك , ولذا يقول ابن القيم ( في المدارج ) " قال ابن عطاء :
من ألزم نفسه آداب السنة نوَّر الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من
متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه" وقال ابن القيم ( في اجتماع
الجيوش ) : " ترى صاحب اتباع الأمر والسنة قد كُسي من الرَوح والنور
ومايتبعهما من الحلاوة والمهابة والجلالة والقبول ما قد حُرِمه غيره كما
قال الحسن: " إن المؤمن من رُزق حلاوةً ومهابة "
- من ثمرات اتباع السنة
لإتباع السنة – أخي الحبيب – ثمرات كثيرة منها :
1- الوصول إلى درجة المحبة , فبالتقرب لله سبحانه وتعالى بالنوافل تنال محبة الله سبحانه وتعالى للعبد .
قال
ابن القيم ( في المدارج ) : " ولا يحبك الله إلا إذا اتبعت حبيبه ظاهراً
وباطناً, وصدقته خبراً , وأطعته أمراً , وأجبته دعوةً , وآثرته طوعاً ,
وفنيت عن حكم غيره بحكمه، وعن محبة غيره من الخلق بمحبته , وعن طاعة غيره
بطاعته , وإن لم يكن ذلك فلا تتعنَّ, وارجع من حيث شئت فالتمس نوراً فلست
على شيء "
2- نيل معيَّة الله تعالى للعبد , فيوفقه الله تعالى للخير
فلا يصدر من جوارحه إلا ما يرضي ربه سبحانه وتعالى ؛ لأنه إذا نال المحبة
نال المعيَّة .
3- إجابة الدعاء المتضمنة لنيل المحبة , فمن تقرب بالنوافل نال المحبة , ومن نال المحبَّة نال إجابة الدعاء .
ويدل
على هذه الثمرات الثلاث : حديث أبي هريرة قال: قال رسول الَّله صلى الله
عليه وسلم : «إن اللَّهَ قال: من عادَى لي وَليّاً فقد آذَنْته بالحرب. وما
تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افتَرَضْته عليه. وما يزال عبدي
يتقرب إلي بالنوافل حتى أُحبه ، فإذا أحبَبته كنت سمعه الذي يسمع به
وبَصرَه الذي يبصر به ويدَه التي يبطِش بها. ورجله التي يمشي بها، وإنْ
سألني لأَعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذَنه. وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله
ترَدُّدي عن نفسِ المؤمن يكرَه الموتَ وأنا أكرَه مَساءته». رواه البخاري .
4- جبر النقص الحاصل في الفرائض , فالنوافل تجبر ما يحصل في الفرائض من خلل .
ويدل
على ذلك : حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسولَ اللهصلى الله
عليه وسلم يقولُ: «إنَّ أولَ ما يُحَاسَبُ به العبد يومَ القيامةِ من
عملهِ صَلاتُه، فإن صَلُحَتْ فقد أفلحَ وأنجحَ، وإن فَسَدَتْ فقد خابَ
وخسرَ، فإن انتقصَ من فريضةٍ شيئاً قال الرب تبارك وتعالى: أنظروا هل
لَعْبْدِيَ منْ تطوعٍ؟ فيُكْمِلُ بها ما انتقصَ من الفريضةِ، ثم يكونُ
سائرُ عملِهِ على ذلك» رواه أحمد وأبوداود والترمذي .
5- حياة القلب كما
تقدّم ، فالعبد إذا كان محافظاً على السنة كان لما هو أهم منها أحفظ فيصعب
عليه أن يفرِّط بالواجبات أو يقصِّر فيها , وينال بذلك فضيلة أخرى وهي
تعظيم شعائر الله , فيحيا قلبه بطاعة ربه , ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان
الفرائض .
6- البعد والعصمة من الوقوع في البدعة ؛ لأن العبد كلما كان
متبعاً لما جاء في السنة كان حريصاً ألا يتعبد بشيء إلا وفي السنة له دليل
يُتَّبع , وبهذا ينجو من طريق البدعة .
وللحفاظ على السنة ثمرات كثيرة ,
قال ابن تيمية ( في القاعدة الجليلة ): "فكل من اتبع الرسول صلى الله عليه
وسلم فالله كافيه وهاديه وناصره ورازقه " وقال تلميذه ابن القيم ( في
المدارج ) " فمن صحب الكتاب والسنة وتغرب عن نفسه وعن الخلق وهاجر بقلبه
إلى الله فهو الصادق المصيب "
- قبل الشروع في المقصود
أخي القارئ : وقبل الشروع في بيت القصيد , وعرض ما تيسر لي جمعه من السنن اليومية أفيدك بما يلي :
أولاً
: لا أدَّعي حصر السنن اليومية بما في هذه الورقات فقط , ولكن حسبي من ذلك
أن هذا هو الذي آلى إليه اجتهادي مع تقصيري , فجمعت في هذه الورقات كل ما
تتبعته من السنن اليومية , وقد أُغفل بعض السنن عمداً للخلاف في ثبوتها
لضعف دليل , أو لخلاف في فهم الاستدلال في السنة وقد حرصت على تقييد ما صح
به الخبر من السنة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وأزكى تحية .
ثانياً :
هناك من السنن التي تتبع الأحوال أو الأماكن أو الأزمان فهي لقوم تُعدُّ من
السنن اليومية ولآخرين لا تُعدُّ كذلك , لم أذكرها عمداً لأن غالب الناس
لا تتكرر عليهم , وعلى سبيل المثال من كان في مكة أو المدينة فإنه يستطيع
كل يوم أن يزور المسجد الحرام أو النبوي ويصلي فيه فينال فضيلة مضاعفة
الصلاة , وكذا هناك بعض السنن لا تكون إلا للأئمة أو المؤذنين ونحو ذلك من
السنن التي تتعلق بأمر معيَّن ربما لا يتأتى لكثير من الناس , وهناك سنن
تختلف باختلاف الحال : كالزيارة الأخوية في الله , وعبادة التفكُّر ,
والشكر , وعيادة المريض , والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم , وزيارة
المقابر , وصلة الرحم , وطلب العلم , والصدقة , وسنن الاغتسال ونحوها من
السنن التي أغفلتها عمداً , لعدم الجزم بأنها سنن يومية مع أن الإنسان
يستطيع أن يأتي بها متى شاء من أيامه , ولكن كما سبق حرصت على الذي يتكرر
غالباً .
ثالثاً : اعلم أيها المفضال أن إتباع هديه صلى الله عليه وسلم
يشمل إتباع أخلاقه , وتعامله , وأدبه مع ربه , ومع سنته , ومع الناس , فلا
تغفل – أيها المبارك – عن هذا المطلب المهم , فالأخلاق عماد مهم يحتاجه
واقعنا اليوم كثيراً , نسأل الله أن يهدينا لأحسن الأخلاق ويصرف عنَّا
سيئها , واعلم أن التقرب لله تعالى بالفرائض مقدَّم على النوافل وأعظم أجرا
, فالله سبحانه وتعالى يقول " وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما
افترضته عليه "
رابعاً : إنني أخاطب بهذه السنن نفسي المقصرة , ويعلم
الله أنني أردت أن أنفع نفسي بعرض السنن اليومية أمام عينيَّ والنظر فيما
كنت مقصِّراً فيه ؛ لأحملها على الإصابة من هذه السنن , والمحافظة على هدي
النبي صلى الله عليه وسلم , ومن ثَمَّ نفع إخواني وحثهم على اقتفاء هدي
المصطفى صلى الله عليه وسلم , فشدَّ العزم أُخيَّ , لنجعل أيامنا قريبةً
من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم , لنعمرها بطاعة ربنا , ولنحيي قلوبنا
بها ؛ لننال محبة الله جلَّ في علاه وما في السنن من ثمرات , وأخيراً أوصيك
أخي في تعاملك مع السنن بوصيتين ذكرهما النووي رحمه الله تعالى :
الأولى : لا تدع سنة من السنن إلا وقد كان لك منها نصيب ولو لمرة واحدة .
قال
النووي في كتابه ( الأذكار ) : " اعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء من فضائل
الأعمال أن يعمل به ولو مرة واحدة ، ليكون من أهله ، ولا ينبغي أن يتركه
مطلقاً لحديث :" إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " رواه البخاري "
والثانية
: إذا أنعم الله عليك بطاعة وكنت من أهلها من المواظبين عليها وفاتت عليك
يوماً فحاول أن تأتي بها إن كانت مما تُقضى , فإن العبد إذا اعتاد على
التفويت وتساهل فيه ضيَّع العمل .
يقول النووي رحمه الله فى فائدة قضاء
الذكر، قال "ينبغى لمـن كان له وظيفة من الذكر فى وقتٍ من ليلٍ أو نهار أو
عقب صلاة أو حالةً من الأحوال ففاتته، أن يتداركها ويأتى به إذا تمكن منها
ولا يهملها فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرضها للتفـويت، وإذا تساهل
فى قضائها سهل عليه تضييعها فى وقتها".
أسأل الله أن يجعلني وإياك ممن
يتبعون هدي النبي صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً ويقتفون أثره ويحشرون
في زمرته إنه ولي ذلك والقادر عليه , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى
آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيراً إلى يوم الدين .
نقصد
بالسنن الموقوتة هي السنن المؤقتة بأوقات في اليوم والليلة , فهي سنن
تُسنُّ بأوقات معينة , وقسمت الأوقات إلى سبعة أوقات : ما قبل الفجر , ووقت
الفجر , ووقت الضحى , ووقت الظهر , ووقت العصر , ووقت المغرب , ووقت
العشاء .
أولاً : وقت ما قبل الفجر
وهذا هو الوقت الأول باعتبار
الاستيقاظ من النوم , فإن النصوص دلَّت على عدة أعمال كان يفعلها النبي صلى
الله عليه وسلم في هذا الوقت ويمكن تقسيم السنن في هذا الوقت إلى قسمين :
القسم الأول : قيامه من النوم
وفيه عدة أعمال كان يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم :-
1. يشوص فاه بالسواك أي يدلكه بالسواك
عن
حُذيفةَ قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليلِ يشَوصُ
فاهُ بالسِّواكِ . متفق عليه , ولمسلم في رواية : كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى
الله عليه وسلم إِذَا قَامَ لِيَتَهَجَّدَ، يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ.
والشوص : دلك الأسنان عرضا ً بالسواك .
2. يقول الأذكار الواردة عند الاستيقاظ من النوم.
ومن
ذلك ما جاء في صحيح البخاري من حديث حذيفةرضي الله عنه قال : «كان
النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينامَ قال: باسمكَ اللهمَّ أموتُ
وأَحْيا , وإذا استيقظ من مَنامه قال: الحمدُ لله الذي أحيانا بعد ما
أماتَنا وإليه النُّّشور». ورواه مسلم من حديث البراء رضي الله عنه .
3- يمسح النوم عن وجهه
4- وينظر إلى السماء
5- ويقرأ الآيات العشر الأخيرة من سورة آل عمران .
وهذه
ثلاث سنن جاءت في حديث ابن عباس رضي الله عنه المتفق عليه : أنه بات ليلةً
عندَ مَيمونةَ زَوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ـ وهيَ خالَتُهُ ـ
فاضْطَجَعْتُ في عَرْضِ الوسادةِ، واضْطَجَعَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه
وسلم وأهلُهُ في طُولِها، فنامَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا
انْتَصَفَ الليلُ ـ أو قبلَهُ بقليلٍ، أو بعدَهُ بقليلٍ ـ اسْتَيقَظَ
رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَجَلسَ يَمسَحُ النومَ عن وَجههِ
بيَدِه، ثمَّ قَرَأَ العَشْرَ الآياتِ الْخَواتِمَ مِن سورةِ آلِ عِمرانَ.
ثمَّ قامَ إلى شَنٍّ مُعلَّقةٍ فتَوَضَّأ منها فأحْسَنَ وُضوءَهُ، ثمَّ
قامَ يُصلِّي .
وفي رواية لمسلم : فَقَامَ نَبِيُّ اللّهِ مِنْ آخِرِ
اللَّيْلِ. ثُمَّ خَرَجَ فَنَظَرَ إِلى السَّمَاءِ. ثُمَّ تَلاَ هذِهِ
الآيَةَ فِي آلِ عِمْرَانَ: {إنّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل
والنهارِ} .
- ( يمسح النوم عن وجهه بيده ) أي يمسح عينيه بيده ليمسح
أثر النوم , و ( الشنُّ ) هي القِرْبَة , وفي رواية مسلم بيانٌ لما يقرأه
من أراد تطبيق هذه السنة فإنه يبدأ من قوله تعالى {إنّ في خلق السماوات
والأرض واختلاف الليل والنهارِ} .
إلى خاتمة آل عمران , وفي قراءة صلى
الله عليه وسلم لهذه الآيات قبل الوضوء دليل على جواز قراءة القرآن على غير
طهارة من الحدث الأصغر .
6- يغسل يديه ثلاثاً .
لحديث أَبِي
هُرَيْرَةَرضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلاَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي
الإِنَاء حتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثاً، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ
بَاتَتْ يَدُهُ». متفق عليه .
- اختلف أهل العلم في حكم غسل اليدين ثلاثاً بعد الاستيقاظ من نوم الليل على قولين :
فمذهب الحنابلة على أنه واجب , وهذا من مفردات الحنابلة .
واستدلوا
: بالحديث السابق , فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن غمسهما قبل غسلهما ,
والأصل في النهي التحريم ولا صارف للنهي عن التحريم والنبي صلى الله عليه
وسلم يقول : " وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " متفق عليه .
والقول الثاني : أنه مستحب , وبه قال جمهور العلماء .
واستدلوا : 1- بعموم قول الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .."[ المائدة :6 ]
ووجه الدلالة : أن الله سبحانه وتعالى أمر بالوضوء من غير غسل الكفين والآية عامة لمن قام من نوم الليل وغيره .
2-
قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإنه لا يدري أين باتت يده " تعليل يدل
على الاستحباب لأن نجاسة اليد مشكوك فيها , والأصل أنها طاهرة فهو اليقين ,
واليقين لايزول بالشك .
ويحتاط المسلم فيأخذ بالقول الأول لقوة دليلهم
ولعدم الصارف عن الوجوب , وأما الاستدلال بالآية فهو عام في الوضوء مطلقاً
بخلاف استدلال أصحاب القول الأول فهو في حالة مخصوصة .
7- أن يستنشق ويستنثر بالماء ثلاثاً .
لحديث
أبي هريرةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثَ
مَرَّاتٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ».متفق عليه وفي
رواية البخاري :«إِذا استيقظ أحدُكم من منامهِ فتوضّأ فلْيستَنِثر
ثلاثاً...».
- اختلف أهل العلم في حكم الاستنثار ثلاثاً بعد الاستيقاظ من نوم الليل على قولين :
القول الأول : قالوا بالاستحباب ، للعلة الواردة في الحديث " فإن الشيطان يبيت على خياشيمه "
ووجه الدلالة : قالوا : إن بيات الشيطان هنا لا يُحدث نجاسة حتى يؤمر الإنسان بإزالتها على وجه الإلزام .
والقول
الثاني : أن الاستنثار واجب ، لأن الأصل في الأمر الوجوب ولا صارف يصرفه
عن الوجوب ، وما ذكره أصحاب القول الأول ليس صارفاً تقوم به الحجة يصرف
الأمر عن الوجوب لأن الحكمة من الأمر بالاستنثار قد تكون مخفية وليست
النجاسة .
ويحتمل أن يحمل المطلق على المقيَّد ففي حديث الباب الأمر
بالاستنثار ثلاثاً عند الاستيقاظ من النوم وجاء في رواية البخاري ما
يُقَيِّدُ هذا الأمر بحال الوضوء ، فإما أن يحمل المطلق على المقيد فيكون
المقصود بالأمر هو حال الوضوء أو يعمل بالحديثين فيكون الاستنثاران واجبين
والله أعلم .
فائدة : قوله صلى الله عليه وسلم : " فإن الشيطان يبيت على خياشيمه " اختُلف في معناه : ـ
قيل : إن بيات الشيطان ليس حقيقة وإنما المراد به ما يكون في الأنف من أذى يوافق الشيطان .
وقيل
: هو على ظاهره وأن الشيطان يبيت حقيقة وذلك لأن الأنف أحد منافذ الجسم
التي يتوصل إلى القلب منها , والمنافذ كلها لها غَلْقٌ إلا الأنف والأذنين
فيدخل منها الشيطان , وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه المتفق عليه : "
ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح فقال النبي
صلى الله عليه وسلم : ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه أو قال : في أذنه "
وأما الفم فله غَلْقٌ أيضاً ولذلك حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على كظم
الفم عند التثاؤب ؛ لئلا يدخل الشيطان فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي
سعيد رضي الله عنه مرفوعاً : " إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه ،فإن
الشيطان يدخل " وفي رواية " فليكظم ما استطاع " وفي المتفق عليه من حديث
أبي هريرة رضي الله عنه " فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال " ها " ضحك
الشيطان " .
وعلى كل حال الواجب على المسلم الإيمان والتصديق والامتثال
والطاعة سواء علم حقيقة وحكمة ما أُمر به أو خفي عليه ذلك , فيكون ذلك من
جملة ما خفي عليه من علم الله جل وعلا الذي أحاط بعلمه كل شيء سبحانه.
8- ثم يتوضأ
لحديث ابن عباس المتقدم حينما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قام إلى قربة معلقة فتوضأ منها .
وعند
الوضوء , نقف وقفة نبيِّن فيها سنناً في الوضوء على وجه والاختصار والعدِّ
لا على وجه التفصيل والحصر ؛ لأنها معلومة وإنما نذكِّر بها إتماماً للسنن
, فمن سنن الوضوء :
1- السواك
وذلك قبل البدء بالوضوء أو قبل
المضمضة , وهذا هو الموضع الثاني الذي يُسنُّ فيه السواك – وتقدم الموضع
الأول – فيُسن لمن أراد الوضوء أن يستاك .
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو لا أن اشق على أمتي
لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء " رواه أحمد
ورواه ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما ورواه البخاري تعليقا ً .ولحديث عائشة قَالَتْ: " كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ.
فَيَبْعَثُهُ الله مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ. فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي ..." رواه مسلم .
2- التسمية
لحديث أبي هريرةرضي الله عنه مرفوعاً :" لا وُضُوءَ لمن لم يَذْكُرِ اسْمَ الله " رواه احمد وأبو داود وابن ماجه .
والحديث ضعيف ضعفه أبو زرعة , وأبو حاتم , وابن القطان والإمام أحمد وقال : "لا يثبت في هذا الباب شيء "
وله شواهد عن جمع من الصحابة وكل هذه الشواهد فيها ضعف وذهب جماعة من العلماء إلى أن الحديث بمجموع
الطرق يرتقي إلى درجة الحسن , قال ابن حجر في التلخيص : " الظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن
له أصلا " وإن احتُج بالحديث فإنه يُحمل على الاستحباب وهو قول جمهور العلماء , وحديث أبي هريرةرضي الله عنه بمجموع طرقه
حسنه غير واحد من أهل العلم ( انظر تلخيص الحبير لابن حجر 1 / 128 ) ومحجة القرب لابن الصلاح ( 249 )
والسيل الجرار للشوكاني ( 1 / 76 ) وغيرهم )
3- غسل الكفين ثلاثا ً .
لحديث
عثمانرضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم " وفيه : أنه
دعا بوضوء فغسل كفيه ثلاث مرات ... " ثم قال " رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا " متفق عليه .
والصارف عن الوجوب قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .."حيث لم يذكر غسل الكفين .
4- التيامن في غسل اليدين والقدمين .
لحديث
عائشةَ قالت : " كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعجِبهُ التَّيَمُّنُ
في تَنَعُّلهِ وتَرَجُّلهِ وطُهورِه في شأنهِ كلِّه " . متفق عليه .
وحديث
أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«إِذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَأُوا بِمَيَامِنِكُمْ» رواه أبو داود .
قال ابن قدامة : " لا خلاف بين أهل العلم – فيما علمناه – في استحباب البداءة باليمنى " .
5- البداءة بالمضمضة والاستنشاق .
لحديث عثمان رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم : " ..... فمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا ً " متفق عليه .
فإن أخَّر المضمضة والاستنشاق بعد غسل الوجه جاز .
6- المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم .
لحديث
لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له :
«أَسْبِغ الوُضُوءَ، وخَلِّلْ بَيْنَ الأصَابِعِ ، وبَالِغْ في
الاسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِماً» رواه أحمد وأبو داود . و
أخذت المبالغة في المضمضمة من قوله " أسبغ الوضوء "
قال ابن عثيمين رحمه
الله ( في الممتع1/171 ) : " المبالغة في المضمضة : أن تحرك الماء بقوة
وتجعله يصل كل ّ الفم , والمبالغة في الاستنشاق : أن يجذبه بنفس قوي
....... والمبالغة مكروهة للصائم ؛ لأنها قد تؤدي إلى ابتلاع الماء ونزوله
من الأنف إلى المعدة "
وقوله " أسبغ الوضوء " المراد بالإسباغ إيصال
لكل عضو حقه من الوضوء وهذا إسباغ واجب , والإسباغ المستحب هو الإتيان بما
يتم الوضوء بدونه من السنن , والإسباغ أجره عظيم لاسيما حال المكاره , كأن
يكون الماء بارداً في الشتاء ليس عنده غيره , أو حاراً في الصيف ليس عنده
غيره , فإذا أسبغ الوضوء كان أرفع لدرجاته وأمحى لسيئاته .
ويدل على ذلك
: حديث أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِصلى الله عليه
وسلم قَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو الله بِهِ الْخَطَايَا
وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللّهِ!
قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ علَى الْمَكَارِهِ. وَكَثْرَةُ الْخُطَا
إِلَى الْمَسْاجِدِ. وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ. فَذلِكُمُ
الرِّبَاطُ». رواه مسلم .
7- المضمضة والاستنشاق من كف واحدة .
لحديث
عبد الله بن زيد رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " .... أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا. فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ
مِنْ كَفَ وَاحِدَةٍ. فَفَعَلَ ذلِكَ ثَلاَثاً.." متفق عليه .
- قال
ابن القيم ( في زاد المعاد 1 / 192 ) : " ولم يجئ الفصل بين المضمضة
والاستنشاق في حديث صحيح البتة ... وكان يستنشق بيده اليمنى ويستنثر
باليسرى " .
8- في مسح الرأس تُسنُّ الصفة المسنونة
وهي أن يبدأ في
مسحه لرأسه فيضع يديه في مقدَّم رأسه , ثم يذهب بهما إلى قفا رأسه , ثم
يرجعهما للمكان الذي بدأ منه , والمرأة أيضاً تفعل هذه السنة بنفس الطريقة ,
وما زاد من الشعر عن عنق المرأة فإنه لا يمسح .
ويدل على ذلك : حديث
عبدالله بن زيدرضي الله عنه في صفة وضوء النبيصلى الله عليه وسلم وفيه : "
بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ, ثُمَّ
رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ "
9- التثليث في غسل الأعضاء .
الغسلة الأولى واجبة وأما الثانية والثالثة فهي سنة ولا يزاد على ثلاث .
ويدل
على ذلك : ما ثبت عند البخاري من حديث ابن عباسرضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم توضأ مرة مرة , وثبت عند البخاري أيضا ً من حديث عبد الله
بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين , وثبت في الصحيحين
من حديث عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا , ولذا فمن الأفضل
التنويع أحياناً , فأحياناً يتوضأ مرة مرة , وأحياناً مرتين مرتين وأحياناً
ثلاثاً ثلاثاً وأحياناً يخالف في العدد فيغسل مثلاً الوجه ثلاثاً واليدين
مرتين والقدمين مرة كما في الصحيحين من حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه
في رواية أخرى ( انظر زاد المعاد 1 / 192 ) ولكن الأغلب أن يأتي بالكمال
ثلاثاً ثلاثا فهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم
9- الدعاء الوارد بعد الوضوء .
عن
عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْكُمْ
مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَأُ فَيُبْلِغُ (أَوْ فَيُسْبِغُ) الْوُضُوءَ ثُمَّ
يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلهَ أَلاَّ اللّهُ وَأَنَّ مُحمَّداً عَبْدُ
اللّهِ وَرَسُولُهُ، أَلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ
الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» رواه مسلم .
أو ما جاء
في حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا ً " من توضأ ففرغ من وضوئه فقال :
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك طبع الله
عليها بطابع ثم رفعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة " رواه النسائي
(في عمل اليوم والليلة ) ورواه الحاكم , وصحح إسناده ابن حجر ( في نتائج
الأفكار ( 1/246 ) وبيَّن أنه إن لم يصح مرفوعاً فهو موقوف ولن يضره ذلك
لأن له حكم الرفع لأنه مما لا مجال فيه للرأي ), والطابع : بفتح الباء
وكسرها لغتان فصيحتان وهو الخاتم ومعنى طَبَعَ : خَتَمَ .
وليستحضر
المسلم حينما يقدم على الوضوء , بأنه أقدم على عبادة فيها ثلاث فضائل عظيمة
, فهي سبب في محبة الله تعالى له , وسبب في مغفرة الذنوب , وسبب في أن
يُكسى يوم القيامة حُلَلاً في مواضع وضوئه , فعندها يستشعر ما أقبل عليه
لاستشعاره ما تورثه هذه العبادة من فضائل , فقد قال تعالى : { إن الله يحب
التوابين ويحب المتطهرين} وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه أَنَّ
رَسُولَ اللّهِصلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ
الْمُسْلِمُ (أَوِ الْمُؤْمِنُ) فَغَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ
كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ
آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ
كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ
قَطْرِ الْمَاءِ) فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ
مَشَتْهَا رِجْلاَهُ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ)
حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيّاً مِنَ الذُّنُوبِ». رواه مسلم , وعنه قال :
سَمِعْتُ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ
مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ» رواه مسلم .
القسم الثاني : قيامه لليل والوتر
وفيه عدة أعمال هي من هدي النبي صلى الله عليه وسلم :-
1- من السنة أن يصلي الليل في وقتها الأفضل
فإن قيل : ما هو أفضل وقت لصلاة الليل ؟
من المعلوم أن وقت صلاة الوتر يبتدئ من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فصلاة الوتر محلها ما بين صلاة العشاء والفجر.
ويدل على ذلك:
1.
حديث عائشة قالت : كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي
فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ،
إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً . يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ.
وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ . متفق عليه .
2. حديث عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ,
مِنْ أَوَّلِ الليل وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ. فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى
السَّحَرِ. متفق عليه.
قال ابن المنذر في الإجماع (ص45): " وأجمعوا على أن مابين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقت للوتر "
- أما عن أفضل وقت لصلاة الليل فهو ثلث الليل بعد نصفه .
والمقصود:
أن الإنسان يقسم الليل أنصافاً ويقوم في الثلث من نصف الليل الثاني وفي
آخر الليل ينام أي أنه يقوم في السدس الرابع والخامس، وينام في السدس
السادس.
ويدل على ذلك: حديث عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم «إِنَّ أَحَبَّ
الصِّيَامِ إِلَى اللّهِ صِيَامُ دَاوُدَ. وَأَحَبَّ الصَّلاَةِ إِلَى
اللّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ (). كَانَ يَنَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ. وَيَقُومُ
ثُلُثَهُ . وَيَنَامُ سُدُسَهُ. وَكَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ
يَوْماً». متفق عليه.
- لو أراد الإنسان تطبيق هذه السنة فكيف يكون حسابه لليل؟
يحسب
الوقت من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ثم يقسمه إلى ستة أقسام ، الثلاثة
أقسام الأولى هذه النصف الأول من الليل , يقوم بعدها أي يقوم في السدس
الرابع والخامس ( لأن هذا يعتبر ثلث ) ثم ينام في السدس الأخير وهو السدس
السادس ولهذا عائشة رضي الله عنها قالت: « ما أَلْفَاهُ السَّحَرُ _ أي
النبي صلى الله عليه وسلم _ عِنْدِيْ إِلا نَائِمَاً» متفق عليه .
وبهذه الطريقة يكون المسلم في أفضل وقت لصلاة بالليل كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه السابق .
وهل يكون بذلك أدرك وقت النزول الإلهي في الثلث الآخر من الليل؟
الجواب:
نعم يكون أدركه في السدس الخامس، وذلك حينما قسَّم الليل ستة أقسام فإن
السدس الأول والثاني يعتبر ثلث الليل الأول، والسدس الثالث والرابع يعتبر
ثلث الليل الثاني، والسدس الخامس والسادس يعتبر ثلث الليل الآخر وهو وقت
النزول الإلهي، والذي يقوم الثلث الذي بعد منتصف الليل سيكون مدركاً للثلث
الآخر في السدس الخامس، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أرشدنا إلى هذا
الوقت كما في حديث عبد الله بن عمرورضي الله عنه السابق فقال: «
وَأَحَبَّ الصَّلاَةِ إِلَى اللّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ (). كَانَ يَنَامَ
نِصْفَ اللَّيْلِ. وَيَقُومُ ثُلُثَهُ . وَيَنَامُ سُدُسَهُ.» وهو الذي
أرشدنا إلى فضل الليل الآخر بان فيه نزولاً يليق بالله جلَّ وعلا , فيكون
الجمع بين هذين الحديثين بما مضى , فمن لم يستطع انتقل إلى المرتبة الثانية
في الأفضلية فيقوم في الثلث الآخر من الليل.
وملخص الكلام أن الأفضلية في وقت قيام الليل على ثلاث مراتب :
المرتبة الأولى: أن ينام نصف الليل الأول ثم يقوم ثلثه ثم ينام سدس كما مضى.
ويدل على ذلك: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه الذي تقدم قريباً .
المرتبة الثانية: أن يقوم في الثلث الآخر من الليل.
ويدل
عليها: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى
الله عليه وسلم قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ
لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ
الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ
يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرُ لَهُ». متفق
عليه , وكذلك حديث جابررضي الله عنه وسيأتي .
فإن خاف ألا يقوم من آخر الليل فليصل في أوله أو في أي أجزاء الليل تيسر له وهذه هي المرتبة الثالثة.
المرتبة الثالثة : أن يصلي أول الليل أو في الجزء الذي يتيسر له من الليل
ويدل
عليها : حديث جَابِرٍرضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله
عليه وسلم : «مَنْ خَافَ أَنْ لاَ يَقُومَ مِنْ آخِرِ الليْلِ
فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ
آخِرَ اللَّيْلِ. فَإِنَّ صَلاَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ. وَذَلِكَ
أَفَضَلُ». رواه مسلم . وأيضاًُ يُحمل عليه وصية النبي صلى الله عليه وسلم
لأبي ذر وأبي الدرداء وأبي هريرة , فكل واحد يقول أوصاني خليلي بثلاث وذكر
منها " وأن أوتر قبل أن أنام ".
2- السنة أن يقوم بإحدى عشرة ركعة
وهذا
الأكمل لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ
اللّهِصلى الله عليه وسلم يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ،
عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً. متفق عليه.
وورد أن النبي صلى الله
عليه وسلم صلى ثلاثة عشرة ركعة من حديث عائشة عند مسلم عَائِشَةَ،
قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ
ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً , يُوتِرُ مِنْ ذلِكَ بِخَمْسٍ , لاَ يَجْلِسُ
فِي شَيْءٍ إِلاَّ فِي آخِرِهَا. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه فَصَلَّى -
النبي صلى الله عليه وسلم - فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ
رَكْعَةً. ثُمَّ نَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم متفق عليه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة واختلف في الركعتين في روايات الثلاث عشرة :
فقيل:
هما سنة العشاء , وقيل: المراد بهما سنة الفجر , وقيل: هما ركعتان خفيفتان
كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما صلاة الليل كما جاء في الحديث
ورجحه ابن حجر في الفتح (3/21)
والأظهر والله أعلم: أن هذا من باب تنوع
الوتر فالغالب من وتره صلى الله عليه وسلم أنه كان يوتر بإحدى عشرة ركعة،
وكان يوتر أحيانا بثلاث عشرة ركعة ، وبهذا نجمع بين الأحاديث الواردة.
3- من السنة أن يستفتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين .
لحديث
عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللّه ِصلى الله عليه وسلم إِذَا
قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ، افْتَتَحَ صَلاَتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ
خَفِيفَتَيْنِ»رواه مسلم
4- من السنة أن يأتي بالاستفتاحات الواردة في صلاة الليل ومن ذلك :
أ.
ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة قالت: " كَانَ – أي النبي صلى الله
عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ: «اللَّهُمَّ
رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ , فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ. عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ , أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ
عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ , اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ
فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيم ».
يتبع
في الأصل هي كل ما أضيف للرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو
تقرير أو صفة خلقية أو خلقية , هذا هو معنى السنة , ففي الأصل هي الطريقة ,
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء
الراشديين المهديين عضوا عليها بالنواجذ " رواه أبوداود والترمذي من حديث
العرباض بن سارية رضي الله عنه , فكل ما كان على طريقته صلى الله عليه وسلم
فهو من سنته , فقد يكون المأمور به في سنته مستحباً أو واجباً حسب ما
تقتضيه الأدلة .
ثم شاع عند المتأخرين أن السنة هي بمعنى المستحب
والمندوب وهو الذي جرى عليه عمل أهل الأصول والفقه وهذا المعنى هو المراد
في هذه الورقات , فالسنة على هذا المقصود : هي ما أمر بها الشارع ليس على
وجه الإلزام , وثمرتها : أنه يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها .
- نماذج من حرص السلف على السنة
-
روى مسلم في صحيحه حديث النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
أَوْسٍ. قَالَ: حَدَّثَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ:
سَمِعْتُ أُمَّ حَبِيبَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه
وسلم يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ». قَالَتْ أُمُّ
حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللّهِ
صلى الله عليه وسلم .
وَقَالَ عَنْبَسَةُ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ أُمِّ حَبِيبَةَ.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ: مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَنْبَسَةَ.
وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ: مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ.
-
حديث عَلِي رضي الله عنه : أَنَّ فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ
الرَّحَى فِي يَدِهَا. وَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ.
فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ. وَلَقِيَتْ عَائِشَةَ. فَأَخْبَرَتْهَا.
فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ
بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ إِلَيْهَا. فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
إِلَيْنَا. وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا. فَذَهَبْنَا نَقُومُ. فَقَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «عَلَى مَكَانِكُمَا» فَقَعَدَ بَيْنَنَا
حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِي. ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ
أُعَلِّمُكُمَا خَيْراً مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا
مَضَاجِعَكُمَا، أَنْ تُكَبِّرَا اللّهَ أَرْبَعاً وَثَلاَثِينَ.
وَتُسَبِّحَاهُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ. وَتَحْمَدَاهُ ثَلاَثاً
وَثَلاَثِينَ. فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ». رواه البخاري ومسلم .
وفي
رواية : قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه : مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ
مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . قِيلَ لَهُ: وَلاَ لَيْلَةَ
صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلاَ لَيْلَةَ صِفِّينَ.
ومعلومٌ أن ليلة صفين ليلة دارت فيها معركة كان عليٌّ رضي الله عنه قائداً فيها ومع ذلك لم ينشغل عن هذه السنة .
-
كان ابن عمر رضي الله عنه يصلي على الجنازة ثم ينصرف ولا يتبعها ظانَّاً
أن هذا هو كمال السنة , ولم يعلم بالفضل الوارد في إتباعها حتى تدفن , فلما
بلغه حديث أبي هريرة رضي الله عنه ندم على فوات السنة وتأمل ماذا قال .
عن عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ وَقَّاصٍ ، أَنَّهُ كَانَ قَاعِداً عِنْدَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. إذْ طَلَعَ خَبَّابٌ صَاحِبُ الْمَقْصُورَةِ.
فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ! أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ
أَبُو هُرَيْرَةَ؟ إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
يَقُولُ: «مَنْ خَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا.
ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ.
كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ. وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ
لَهُ مِنَ الاٌّجْرِ مِثْلُ أُحُدٍ»؟ فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله
عنه خَبَّابَّاً إلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ أَبِي
هُرَيْرَةَرضي الله عنه . ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ مَا
قَالَتْ: وَأَخَذَ ابْن عُمَرَ قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءِ الْمَسْجِدِ
يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ. حَتَّى رَجِعَ إلَيْهِ الرَّسُولُ , فَقَالَ:
قَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه . فَضَرَبَ ابْنُ
عُمَرَ بِالْحَصَى الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الاٌّرْضَ . ثُمَّ قَالَ:
لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ. رواه البخاري ومسلم .
قال
النووي : " وفيه ما كان الصحابة عليه من الرغبة في الطاعات حين يبلغهم ,
والتأسف على ما يفوتهم منها وإن كانوا لا يعلمون عظم موقعه "
- حديث
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ قَرِيباً لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ
خَذَفَ . قَالَ فَنَهَاهُ وَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللّهِ نَهَى عَنِ
الْخَذْفِ وَقَالَ: «إنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْداً وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوّاً.
وَلكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ» قَالَ فَعَادَ
فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ نَهَى عَنْهُ ثُمَّ تَخْذِفُ
لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَداً. رواه البخاري ومسلم , والخذف هو رمي الإنسان
بحصاة أو نواة ونحوهما يجعلها بين أصبعيه السبابتين أو الإبهام والسبابة.
والنماذج
في حفاظهم على السنة وتعظيمها كثيرة ولا عجب فقد كانوا أحرص الناس على
الخير , وهكذا تأثر بهم مَن بعدهم من السلف والقرون المفضلة , وأصبح
التأريخ يسطر لنا ممن تبع أولئك الرجال في التمسك بالسنة نماذج تشجع النفس
على الحرص على السنة واقتفائها , فهذا الإمام أحمد رحمه الله وضع في كتابه
المسند فوق أربعين ألف حديث، لكنه عمل بها كلها، قال: ما تركت حديثاً إلا
عملت به، ولما قرأ " أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة
الحجام ديناراً " قال: احتجمت وأعطيت الحجام ديناراً، والدينار أربعة
غرامات وربع من الذهب، لكن لأجل تطبيق الحديث بذلها الإمام أحمد رحمه الله
تعالى , والنماذج في هذا الصدد كثيرة , نسأل الله أن يحيي سنة نبينا صلى
الله عليه وسلم في قلوبنا لتنال من الفضائل والمِنَحِ والقُرْبِ من الله
سبحانه وتعالى ما استودعه في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم , فباتباع السنة
ينال الإنسان ذلك , ولذا يقول ابن القيم ( في المدارج ) " قال ابن عطاء :
من ألزم نفسه آداب السنة نوَّر الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من
متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه" وقال ابن القيم ( في اجتماع
الجيوش ) : " ترى صاحب اتباع الأمر والسنة قد كُسي من الرَوح والنور
ومايتبعهما من الحلاوة والمهابة والجلالة والقبول ما قد حُرِمه غيره كما
قال الحسن: " إن المؤمن من رُزق حلاوةً ومهابة "
- من ثمرات اتباع السنة
لإتباع السنة – أخي الحبيب – ثمرات كثيرة منها :
1- الوصول إلى درجة المحبة , فبالتقرب لله سبحانه وتعالى بالنوافل تنال محبة الله سبحانه وتعالى للعبد .
قال
ابن القيم ( في المدارج ) : " ولا يحبك الله إلا إذا اتبعت حبيبه ظاهراً
وباطناً, وصدقته خبراً , وأطعته أمراً , وأجبته دعوةً , وآثرته طوعاً ,
وفنيت عن حكم غيره بحكمه، وعن محبة غيره من الخلق بمحبته , وعن طاعة غيره
بطاعته , وإن لم يكن ذلك فلا تتعنَّ, وارجع من حيث شئت فالتمس نوراً فلست
على شيء "
2- نيل معيَّة الله تعالى للعبد , فيوفقه الله تعالى للخير
فلا يصدر من جوارحه إلا ما يرضي ربه سبحانه وتعالى ؛ لأنه إذا نال المحبة
نال المعيَّة .
3- إجابة الدعاء المتضمنة لنيل المحبة , فمن تقرب بالنوافل نال المحبة , ومن نال المحبَّة نال إجابة الدعاء .
ويدل
على هذه الثمرات الثلاث : حديث أبي هريرة قال: قال رسول الَّله صلى الله
عليه وسلم : «إن اللَّهَ قال: من عادَى لي وَليّاً فقد آذَنْته بالحرب. وما
تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افتَرَضْته عليه. وما يزال عبدي
يتقرب إلي بالنوافل حتى أُحبه ، فإذا أحبَبته كنت سمعه الذي يسمع به
وبَصرَه الذي يبصر به ويدَه التي يبطِش بها. ورجله التي يمشي بها، وإنْ
سألني لأَعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذَنه. وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله
ترَدُّدي عن نفسِ المؤمن يكرَه الموتَ وأنا أكرَه مَساءته». رواه البخاري .
4- جبر النقص الحاصل في الفرائض , فالنوافل تجبر ما يحصل في الفرائض من خلل .
ويدل
على ذلك : حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسولَ اللهصلى الله
عليه وسلم يقولُ: «إنَّ أولَ ما يُحَاسَبُ به العبد يومَ القيامةِ من
عملهِ صَلاتُه، فإن صَلُحَتْ فقد أفلحَ وأنجحَ، وإن فَسَدَتْ فقد خابَ
وخسرَ، فإن انتقصَ من فريضةٍ شيئاً قال الرب تبارك وتعالى: أنظروا هل
لَعْبْدِيَ منْ تطوعٍ؟ فيُكْمِلُ بها ما انتقصَ من الفريضةِ، ثم يكونُ
سائرُ عملِهِ على ذلك» رواه أحمد وأبوداود والترمذي .
5- حياة القلب كما
تقدّم ، فالعبد إذا كان محافظاً على السنة كان لما هو أهم منها أحفظ فيصعب
عليه أن يفرِّط بالواجبات أو يقصِّر فيها , وينال بذلك فضيلة أخرى وهي
تعظيم شعائر الله , فيحيا قلبه بطاعة ربه , ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان
الفرائض .
6- البعد والعصمة من الوقوع في البدعة ؛ لأن العبد كلما كان
متبعاً لما جاء في السنة كان حريصاً ألا يتعبد بشيء إلا وفي السنة له دليل
يُتَّبع , وبهذا ينجو من طريق البدعة .
وللحفاظ على السنة ثمرات كثيرة ,
قال ابن تيمية ( في القاعدة الجليلة ): "فكل من اتبع الرسول صلى الله عليه
وسلم فالله كافيه وهاديه وناصره ورازقه " وقال تلميذه ابن القيم ( في
المدارج ) " فمن صحب الكتاب والسنة وتغرب عن نفسه وعن الخلق وهاجر بقلبه
إلى الله فهو الصادق المصيب "
- قبل الشروع في المقصود
أخي القارئ : وقبل الشروع في بيت القصيد , وعرض ما تيسر لي جمعه من السنن اليومية أفيدك بما يلي :
أولاً
: لا أدَّعي حصر السنن اليومية بما في هذه الورقات فقط , ولكن حسبي من ذلك
أن هذا هو الذي آلى إليه اجتهادي مع تقصيري , فجمعت في هذه الورقات كل ما
تتبعته من السنن اليومية , وقد أُغفل بعض السنن عمداً للخلاف في ثبوتها
لضعف دليل , أو لخلاف في فهم الاستدلال في السنة وقد حرصت على تقييد ما صح
به الخبر من السنة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وأزكى تحية .
ثانياً :
هناك من السنن التي تتبع الأحوال أو الأماكن أو الأزمان فهي لقوم تُعدُّ من
السنن اليومية ولآخرين لا تُعدُّ كذلك , لم أذكرها عمداً لأن غالب الناس
لا تتكرر عليهم , وعلى سبيل المثال من كان في مكة أو المدينة فإنه يستطيع
كل يوم أن يزور المسجد الحرام أو النبوي ويصلي فيه فينال فضيلة مضاعفة
الصلاة , وكذا هناك بعض السنن لا تكون إلا للأئمة أو المؤذنين ونحو ذلك من
السنن التي تتعلق بأمر معيَّن ربما لا يتأتى لكثير من الناس , وهناك سنن
تختلف باختلاف الحال : كالزيارة الأخوية في الله , وعبادة التفكُّر ,
والشكر , وعيادة المريض , والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم , وزيارة
المقابر , وصلة الرحم , وطلب العلم , والصدقة , وسنن الاغتسال ونحوها من
السنن التي أغفلتها عمداً , لعدم الجزم بأنها سنن يومية مع أن الإنسان
يستطيع أن يأتي بها متى شاء من أيامه , ولكن كما سبق حرصت على الذي يتكرر
غالباً .
ثالثاً : اعلم أيها المفضال أن إتباع هديه صلى الله عليه وسلم
يشمل إتباع أخلاقه , وتعامله , وأدبه مع ربه , ومع سنته , ومع الناس , فلا
تغفل – أيها المبارك – عن هذا المطلب المهم , فالأخلاق عماد مهم يحتاجه
واقعنا اليوم كثيراً , نسأل الله أن يهدينا لأحسن الأخلاق ويصرف عنَّا
سيئها , واعلم أن التقرب لله تعالى بالفرائض مقدَّم على النوافل وأعظم أجرا
, فالله سبحانه وتعالى يقول " وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما
افترضته عليه "
رابعاً : إنني أخاطب بهذه السنن نفسي المقصرة , ويعلم
الله أنني أردت أن أنفع نفسي بعرض السنن اليومية أمام عينيَّ والنظر فيما
كنت مقصِّراً فيه ؛ لأحملها على الإصابة من هذه السنن , والمحافظة على هدي
النبي صلى الله عليه وسلم , ومن ثَمَّ نفع إخواني وحثهم على اقتفاء هدي
المصطفى صلى الله عليه وسلم , فشدَّ العزم أُخيَّ , لنجعل أيامنا قريبةً
من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم , لنعمرها بطاعة ربنا , ولنحيي قلوبنا
بها ؛ لننال محبة الله جلَّ في علاه وما في السنن من ثمرات , وأخيراً أوصيك
أخي في تعاملك مع السنن بوصيتين ذكرهما النووي رحمه الله تعالى :
الأولى : لا تدع سنة من السنن إلا وقد كان لك منها نصيب ولو لمرة واحدة .
قال
النووي في كتابه ( الأذكار ) : " اعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء من فضائل
الأعمال أن يعمل به ولو مرة واحدة ، ليكون من أهله ، ولا ينبغي أن يتركه
مطلقاً لحديث :" إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " رواه البخاري "
والثانية
: إذا أنعم الله عليك بطاعة وكنت من أهلها من المواظبين عليها وفاتت عليك
يوماً فحاول أن تأتي بها إن كانت مما تُقضى , فإن العبد إذا اعتاد على
التفويت وتساهل فيه ضيَّع العمل .
يقول النووي رحمه الله فى فائدة قضاء
الذكر، قال "ينبغى لمـن كان له وظيفة من الذكر فى وقتٍ من ليلٍ أو نهار أو
عقب صلاة أو حالةً من الأحوال ففاتته، أن يتداركها ويأتى به إذا تمكن منها
ولا يهملها فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرضها للتفـويت، وإذا تساهل
فى قضائها سهل عليه تضييعها فى وقتها".
أسأل الله أن يجعلني وإياك ممن
يتبعون هدي النبي صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً ويقتفون أثره ويحشرون
في زمرته إنه ولي ذلك والقادر عليه , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى
آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيراً إلى يوم الدين .
نقصد
بالسنن الموقوتة هي السنن المؤقتة بأوقات في اليوم والليلة , فهي سنن
تُسنُّ بأوقات معينة , وقسمت الأوقات إلى سبعة أوقات : ما قبل الفجر , ووقت
الفجر , ووقت الضحى , ووقت الظهر , ووقت العصر , ووقت المغرب , ووقت
العشاء .
أولاً : وقت ما قبل الفجر
وهذا هو الوقت الأول باعتبار
الاستيقاظ من النوم , فإن النصوص دلَّت على عدة أعمال كان يفعلها النبي صلى
الله عليه وسلم في هذا الوقت ويمكن تقسيم السنن في هذا الوقت إلى قسمين :
القسم الأول : قيامه من النوم
وفيه عدة أعمال كان يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم :-
1. يشوص فاه بالسواك أي يدلكه بالسواك
عن
حُذيفةَ قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليلِ يشَوصُ
فاهُ بالسِّواكِ . متفق عليه , ولمسلم في رواية : كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى
الله عليه وسلم إِذَا قَامَ لِيَتَهَجَّدَ، يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ.
والشوص : دلك الأسنان عرضا ً بالسواك .
2. يقول الأذكار الواردة عند الاستيقاظ من النوم.
ومن
ذلك ما جاء في صحيح البخاري من حديث حذيفةرضي الله عنه قال : «كان
النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينامَ قال: باسمكَ اللهمَّ أموتُ
وأَحْيا , وإذا استيقظ من مَنامه قال: الحمدُ لله الذي أحيانا بعد ما
أماتَنا وإليه النُّّشور». ورواه مسلم من حديث البراء رضي الله عنه .
3- يمسح النوم عن وجهه
4- وينظر إلى السماء
5- ويقرأ الآيات العشر الأخيرة من سورة آل عمران .
وهذه
ثلاث سنن جاءت في حديث ابن عباس رضي الله عنه المتفق عليه : أنه بات ليلةً
عندَ مَيمونةَ زَوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ـ وهيَ خالَتُهُ ـ
فاضْطَجَعْتُ في عَرْضِ الوسادةِ، واضْطَجَعَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه
وسلم وأهلُهُ في طُولِها، فنامَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا
انْتَصَفَ الليلُ ـ أو قبلَهُ بقليلٍ، أو بعدَهُ بقليلٍ ـ اسْتَيقَظَ
رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَجَلسَ يَمسَحُ النومَ عن وَجههِ
بيَدِه، ثمَّ قَرَأَ العَشْرَ الآياتِ الْخَواتِمَ مِن سورةِ آلِ عِمرانَ.
ثمَّ قامَ إلى شَنٍّ مُعلَّقةٍ فتَوَضَّأ منها فأحْسَنَ وُضوءَهُ، ثمَّ
قامَ يُصلِّي .
وفي رواية لمسلم : فَقَامَ نَبِيُّ اللّهِ مِنْ آخِرِ
اللَّيْلِ. ثُمَّ خَرَجَ فَنَظَرَ إِلى السَّمَاءِ. ثُمَّ تَلاَ هذِهِ
الآيَةَ فِي آلِ عِمْرَانَ: {إنّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل
والنهارِ} .
- ( يمسح النوم عن وجهه بيده ) أي يمسح عينيه بيده ليمسح
أثر النوم , و ( الشنُّ ) هي القِرْبَة , وفي رواية مسلم بيانٌ لما يقرأه
من أراد تطبيق هذه السنة فإنه يبدأ من قوله تعالى {إنّ في خلق السماوات
والأرض واختلاف الليل والنهارِ} .
إلى خاتمة آل عمران , وفي قراءة صلى
الله عليه وسلم لهذه الآيات قبل الوضوء دليل على جواز قراءة القرآن على غير
طهارة من الحدث الأصغر .
6- يغسل يديه ثلاثاً .
لحديث أَبِي
هُرَيْرَةَرضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلاَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي
الإِنَاء حتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثاً، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ
بَاتَتْ يَدُهُ». متفق عليه .
- اختلف أهل العلم في حكم غسل اليدين ثلاثاً بعد الاستيقاظ من نوم الليل على قولين :
فمذهب الحنابلة على أنه واجب , وهذا من مفردات الحنابلة .
واستدلوا
: بالحديث السابق , فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن غمسهما قبل غسلهما ,
والأصل في النهي التحريم ولا صارف للنهي عن التحريم والنبي صلى الله عليه
وسلم يقول : " وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " متفق عليه .
والقول الثاني : أنه مستحب , وبه قال جمهور العلماء .
واستدلوا : 1- بعموم قول الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .."[ المائدة :6 ]
ووجه الدلالة : أن الله سبحانه وتعالى أمر بالوضوء من غير غسل الكفين والآية عامة لمن قام من نوم الليل وغيره .
2-
قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإنه لا يدري أين باتت يده " تعليل يدل
على الاستحباب لأن نجاسة اليد مشكوك فيها , والأصل أنها طاهرة فهو اليقين ,
واليقين لايزول بالشك .
ويحتاط المسلم فيأخذ بالقول الأول لقوة دليلهم
ولعدم الصارف عن الوجوب , وأما الاستدلال بالآية فهو عام في الوضوء مطلقاً
بخلاف استدلال أصحاب القول الأول فهو في حالة مخصوصة .
7- أن يستنشق ويستنثر بالماء ثلاثاً .
لحديث
أبي هريرةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثَ
مَرَّاتٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ».متفق عليه وفي
رواية البخاري :«إِذا استيقظ أحدُكم من منامهِ فتوضّأ فلْيستَنِثر
ثلاثاً...».
- اختلف أهل العلم في حكم الاستنثار ثلاثاً بعد الاستيقاظ من نوم الليل على قولين :
القول الأول : قالوا بالاستحباب ، للعلة الواردة في الحديث " فإن الشيطان يبيت على خياشيمه "
ووجه الدلالة : قالوا : إن بيات الشيطان هنا لا يُحدث نجاسة حتى يؤمر الإنسان بإزالتها على وجه الإلزام .
والقول
الثاني : أن الاستنثار واجب ، لأن الأصل في الأمر الوجوب ولا صارف يصرفه
عن الوجوب ، وما ذكره أصحاب القول الأول ليس صارفاً تقوم به الحجة يصرف
الأمر عن الوجوب لأن الحكمة من الأمر بالاستنثار قد تكون مخفية وليست
النجاسة .
ويحتمل أن يحمل المطلق على المقيَّد ففي حديث الباب الأمر
بالاستنثار ثلاثاً عند الاستيقاظ من النوم وجاء في رواية البخاري ما
يُقَيِّدُ هذا الأمر بحال الوضوء ، فإما أن يحمل المطلق على المقيد فيكون
المقصود بالأمر هو حال الوضوء أو يعمل بالحديثين فيكون الاستنثاران واجبين
والله أعلم .
فائدة : قوله صلى الله عليه وسلم : " فإن الشيطان يبيت على خياشيمه " اختُلف في معناه : ـ
قيل : إن بيات الشيطان ليس حقيقة وإنما المراد به ما يكون في الأنف من أذى يوافق الشيطان .
وقيل
: هو على ظاهره وأن الشيطان يبيت حقيقة وذلك لأن الأنف أحد منافذ الجسم
التي يتوصل إلى القلب منها , والمنافذ كلها لها غَلْقٌ إلا الأنف والأذنين
فيدخل منها الشيطان , وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه المتفق عليه : "
ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح فقال النبي
صلى الله عليه وسلم : ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه أو قال : في أذنه "
وأما الفم فله غَلْقٌ أيضاً ولذلك حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على كظم
الفم عند التثاؤب ؛ لئلا يدخل الشيطان فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي
سعيد رضي الله عنه مرفوعاً : " إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه ،فإن
الشيطان يدخل " وفي رواية " فليكظم ما استطاع " وفي المتفق عليه من حديث
أبي هريرة رضي الله عنه " فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال " ها " ضحك
الشيطان " .
وعلى كل حال الواجب على المسلم الإيمان والتصديق والامتثال
والطاعة سواء علم حقيقة وحكمة ما أُمر به أو خفي عليه ذلك , فيكون ذلك من
جملة ما خفي عليه من علم الله جل وعلا الذي أحاط بعلمه كل شيء سبحانه.
8- ثم يتوضأ
لحديث ابن عباس المتقدم حينما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قام إلى قربة معلقة فتوضأ منها .
وعند
الوضوء , نقف وقفة نبيِّن فيها سنناً في الوضوء على وجه والاختصار والعدِّ
لا على وجه التفصيل والحصر ؛ لأنها معلومة وإنما نذكِّر بها إتماماً للسنن
, فمن سنن الوضوء :
1- السواك
وذلك قبل البدء بالوضوء أو قبل
المضمضة , وهذا هو الموضع الثاني الذي يُسنُّ فيه السواك – وتقدم الموضع
الأول – فيُسن لمن أراد الوضوء أن يستاك .
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو لا أن اشق على أمتي
لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء " رواه أحمد
ورواه ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما ورواه البخاري تعليقا ً .ولحديث عائشة قَالَتْ: " كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ.
فَيَبْعَثُهُ الله مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ. فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي ..." رواه مسلم .
2- التسمية
لحديث أبي هريرةرضي الله عنه مرفوعاً :" لا وُضُوءَ لمن لم يَذْكُرِ اسْمَ الله " رواه احمد وأبو داود وابن ماجه .
والحديث ضعيف ضعفه أبو زرعة , وأبو حاتم , وابن القطان والإمام أحمد وقال : "لا يثبت في هذا الباب شيء "
وله شواهد عن جمع من الصحابة وكل هذه الشواهد فيها ضعف وذهب جماعة من العلماء إلى أن الحديث بمجموع
الطرق يرتقي إلى درجة الحسن , قال ابن حجر في التلخيص : " الظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن
له أصلا " وإن احتُج بالحديث فإنه يُحمل على الاستحباب وهو قول جمهور العلماء , وحديث أبي هريرةرضي الله عنه بمجموع طرقه
حسنه غير واحد من أهل العلم ( انظر تلخيص الحبير لابن حجر 1 / 128 ) ومحجة القرب لابن الصلاح ( 249 )
والسيل الجرار للشوكاني ( 1 / 76 ) وغيرهم )
3- غسل الكفين ثلاثا ً .
لحديث
عثمانرضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم " وفيه : أنه
دعا بوضوء فغسل كفيه ثلاث مرات ... " ثم قال " رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا " متفق عليه .
والصارف عن الوجوب قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .."حيث لم يذكر غسل الكفين .
4- التيامن في غسل اليدين والقدمين .
لحديث
عائشةَ قالت : " كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعجِبهُ التَّيَمُّنُ
في تَنَعُّلهِ وتَرَجُّلهِ وطُهورِه في شأنهِ كلِّه " . متفق عليه .
وحديث
أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«إِذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَأُوا بِمَيَامِنِكُمْ» رواه أبو داود .
قال ابن قدامة : " لا خلاف بين أهل العلم – فيما علمناه – في استحباب البداءة باليمنى " .
5- البداءة بالمضمضة والاستنشاق .
لحديث عثمان رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم : " ..... فمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا ً " متفق عليه .
فإن أخَّر المضمضة والاستنشاق بعد غسل الوجه جاز .
6- المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم .
لحديث
لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له :
«أَسْبِغ الوُضُوءَ، وخَلِّلْ بَيْنَ الأصَابِعِ ، وبَالِغْ في
الاسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِماً» رواه أحمد وأبو داود . و
أخذت المبالغة في المضمضمة من قوله " أسبغ الوضوء "
قال ابن عثيمين رحمه
الله ( في الممتع1/171 ) : " المبالغة في المضمضة : أن تحرك الماء بقوة
وتجعله يصل كل ّ الفم , والمبالغة في الاستنشاق : أن يجذبه بنفس قوي
....... والمبالغة مكروهة للصائم ؛ لأنها قد تؤدي إلى ابتلاع الماء ونزوله
من الأنف إلى المعدة "
وقوله " أسبغ الوضوء " المراد بالإسباغ إيصال
لكل عضو حقه من الوضوء وهذا إسباغ واجب , والإسباغ المستحب هو الإتيان بما
يتم الوضوء بدونه من السنن , والإسباغ أجره عظيم لاسيما حال المكاره , كأن
يكون الماء بارداً في الشتاء ليس عنده غيره , أو حاراً في الصيف ليس عنده
غيره , فإذا أسبغ الوضوء كان أرفع لدرجاته وأمحى لسيئاته .
ويدل على ذلك
: حديث أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِصلى الله عليه
وسلم قَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو الله بِهِ الْخَطَايَا
وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللّهِ!
قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ علَى الْمَكَارِهِ. وَكَثْرَةُ الْخُطَا
إِلَى الْمَسْاجِدِ. وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ. فَذلِكُمُ
الرِّبَاطُ». رواه مسلم .
7- المضمضة والاستنشاق من كف واحدة .
لحديث
عبد الله بن زيد رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " .... أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا. فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ
مِنْ كَفَ وَاحِدَةٍ. فَفَعَلَ ذلِكَ ثَلاَثاً.." متفق عليه .
- قال
ابن القيم ( في زاد المعاد 1 / 192 ) : " ولم يجئ الفصل بين المضمضة
والاستنشاق في حديث صحيح البتة ... وكان يستنشق بيده اليمنى ويستنثر
باليسرى " .
8- في مسح الرأس تُسنُّ الصفة المسنونة
وهي أن يبدأ في
مسحه لرأسه فيضع يديه في مقدَّم رأسه , ثم يذهب بهما إلى قفا رأسه , ثم
يرجعهما للمكان الذي بدأ منه , والمرأة أيضاً تفعل هذه السنة بنفس الطريقة ,
وما زاد من الشعر عن عنق المرأة فإنه لا يمسح .
ويدل على ذلك : حديث
عبدالله بن زيدرضي الله عنه في صفة وضوء النبيصلى الله عليه وسلم وفيه : "
بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ, ثُمَّ
رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ "
9- التثليث في غسل الأعضاء .
الغسلة الأولى واجبة وأما الثانية والثالثة فهي سنة ولا يزاد على ثلاث .
ويدل
على ذلك : ما ثبت عند البخاري من حديث ابن عباسرضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم توضأ مرة مرة , وثبت عند البخاري أيضا ً من حديث عبد الله
بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين , وثبت في الصحيحين
من حديث عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا , ولذا فمن الأفضل
التنويع أحياناً , فأحياناً يتوضأ مرة مرة , وأحياناً مرتين مرتين وأحياناً
ثلاثاً ثلاثاً وأحياناً يخالف في العدد فيغسل مثلاً الوجه ثلاثاً واليدين
مرتين والقدمين مرة كما في الصحيحين من حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه
في رواية أخرى ( انظر زاد المعاد 1 / 192 ) ولكن الأغلب أن يأتي بالكمال
ثلاثاً ثلاثا فهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم
9- الدعاء الوارد بعد الوضوء .
عن
عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْكُمْ
مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَأُ فَيُبْلِغُ (أَوْ فَيُسْبِغُ) الْوُضُوءَ ثُمَّ
يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلهَ أَلاَّ اللّهُ وَأَنَّ مُحمَّداً عَبْدُ
اللّهِ وَرَسُولُهُ، أَلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ
الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» رواه مسلم .
أو ما جاء
في حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا ً " من توضأ ففرغ من وضوئه فقال :
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك طبع الله
عليها بطابع ثم رفعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة " رواه النسائي
(في عمل اليوم والليلة ) ورواه الحاكم , وصحح إسناده ابن حجر ( في نتائج
الأفكار ( 1/246 ) وبيَّن أنه إن لم يصح مرفوعاً فهو موقوف ولن يضره ذلك
لأن له حكم الرفع لأنه مما لا مجال فيه للرأي ), والطابع : بفتح الباء
وكسرها لغتان فصيحتان وهو الخاتم ومعنى طَبَعَ : خَتَمَ .
وليستحضر
المسلم حينما يقدم على الوضوء , بأنه أقدم على عبادة فيها ثلاث فضائل عظيمة
, فهي سبب في محبة الله تعالى له , وسبب في مغفرة الذنوب , وسبب في أن
يُكسى يوم القيامة حُلَلاً في مواضع وضوئه , فعندها يستشعر ما أقبل عليه
لاستشعاره ما تورثه هذه العبادة من فضائل , فقد قال تعالى : { إن الله يحب
التوابين ويحب المتطهرين} وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه أَنَّ
رَسُولَ اللّهِصلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ
الْمُسْلِمُ (أَوِ الْمُؤْمِنُ) فَغَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ
كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ
آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ
كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ
قَطْرِ الْمَاءِ) فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ
مَشَتْهَا رِجْلاَهُ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ)
حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيّاً مِنَ الذُّنُوبِ». رواه مسلم , وعنه قال :
سَمِعْتُ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ
مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ» رواه مسلم .
القسم الثاني : قيامه لليل والوتر
وفيه عدة أعمال هي من هدي النبي صلى الله عليه وسلم :-
1- من السنة أن يصلي الليل في وقتها الأفضل
فإن قيل : ما هو أفضل وقت لصلاة الليل ؟
من المعلوم أن وقت صلاة الوتر يبتدئ من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فصلاة الوتر محلها ما بين صلاة العشاء والفجر.
ويدل على ذلك:
1.
حديث عائشة قالت : كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي
فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ،
إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً . يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ.
وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ . متفق عليه .
2. حديث عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ,
مِنْ أَوَّلِ الليل وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ. فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى
السَّحَرِ. متفق عليه.
قال ابن المنذر في الإجماع (ص45): " وأجمعوا على أن مابين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقت للوتر "
- أما عن أفضل وقت لصلاة الليل فهو ثلث الليل بعد نصفه .
والمقصود:
أن الإنسان يقسم الليل أنصافاً ويقوم في الثلث من نصف الليل الثاني وفي
آخر الليل ينام أي أنه يقوم في السدس الرابع والخامس، وينام في السدس
السادس.
ويدل على ذلك: حديث عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم «إِنَّ أَحَبَّ
الصِّيَامِ إِلَى اللّهِ صِيَامُ دَاوُدَ. وَأَحَبَّ الصَّلاَةِ إِلَى
اللّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ (). كَانَ يَنَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ. وَيَقُومُ
ثُلُثَهُ . وَيَنَامُ سُدُسَهُ. وَكَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ
يَوْماً». متفق عليه.
- لو أراد الإنسان تطبيق هذه السنة فكيف يكون حسابه لليل؟
يحسب
الوقت من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ثم يقسمه إلى ستة أقسام ، الثلاثة
أقسام الأولى هذه النصف الأول من الليل , يقوم بعدها أي يقوم في السدس
الرابع والخامس ( لأن هذا يعتبر ثلث ) ثم ينام في السدس الأخير وهو السدس
السادس ولهذا عائشة رضي الله عنها قالت: « ما أَلْفَاهُ السَّحَرُ _ أي
النبي صلى الله عليه وسلم _ عِنْدِيْ إِلا نَائِمَاً» متفق عليه .
وبهذه الطريقة يكون المسلم في أفضل وقت لصلاة بالليل كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه السابق .
وهل يكون بذلك أدرك وقت النزول الإلهي في الثلث الآخر من الليل؟
الجواب:
نعم يكون أدركه في السدس الخامس، وذلك حينما قسَّم الليل ستة أقسام فإن
السدس الأول والثاني يعتبر ثلث الليل الأول، والسدس الثالث والرابع يعتبر
ثلث الليل الثاني، والسدس الخامس والسادس يعتبر ثلث الليل الآخر وهو وقت
النزول الإلهي، والذي يقوم الثلث الذي بعد منتصف الليل سيكون مدركاً للثلث
الآخر في السدس الخامس، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أرشدنا إلى هذا
الوقت كما في حديث عبد الله بن عمرورضي الله عنه السابق فقال: «
وَأَحَبَّ الصَّلاَةِ إِلَى اللّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ (). كَانَ يَنَامَ
نِصْفَ اللَّيْلِ. وَيَقُومُ ثُلُثَهُ . وَيَنَامُ سُدُسَهُ.» وهو الذي
أرشدنا إلى فضل الليل الآخر بان فيه نزولاً يليق بالله جلَّ وعلا , فيكون
الجمع بين هذين الحديثين بما مضى , فمن لم يستطع انتقل إلى المرتبة الثانية
في الأفضلية فيقوم في الثلث الآخر من الليل.
وملخص الكلام أن الأفضلية في وقت قيام الليل على ثلاث مراتب :
المرتبة الأولى: أن ينام نصف الليل الأول ثم يقوم ثلثه ثم ينام سدس كما مضى.
ويدل على ذلك: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه الذي تقدم قريباً .
المرتبة الثانية: أن يقوم في الثلث الآخر من الليل.
ويدل
عليها: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى
الله عليه وسلم قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ
لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ
الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ
يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرُ لَهُ». متفق
عليه , وكذلك حديث جابررضي الله عنه وسيأتي .
فإن خاف ألا يقوم من آخر الليل فليصل في أوله أو في أي أجزاء الليل تيسر له وهذه هي المرتبة الثالثة.
المرتبة الثالثة : أن يصلي أول الليل أو في الجزء الذي يتيسر له من الليل
ويدل
عليها : حديث جَابِرٍرضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله
عليه وسلم : «مَنْ خَافَ أَنْ لاَ يَقُومَ مِنْ آخِرِ الليْلِ
فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ
آخِرَ اللَّيْلِ. فَإِنَّ صَلاَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ. وَذَلِكَ
أَفَضَلُ». رواه مسلم . وأيضاًُ يُحمل عليه وصية النبي صلى الله عليه وسلم
لأبي ذر وأبي الدرداء وأبي هريرة , فكل واحد يقول أوصاني خليلي بثلاث وذكر
منها " وأن أوتر قبل أن أنام ".
2- السنة أن يقوم بإحدى عشرة ركعة
وهذا
الأكمل لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ
اللّهِصلى الله عليه وسلم يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ،
عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً. متفق عليه.
وورد أن النبي صلى الله
عليه وسلم صلى ثلاثة عشرة ركعة من حديث عائشة عند مسلم عَائِشَةَ،
قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ
ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً , يُوتِرُ مِنْ ذلِكَ بِخَمْسٍ , لاَ يَجْلِسُ
فِي شَيْءٍ إِلاَّ فِي آخِرِهَا. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه فَصَلَّى -
النبي صلى الله عليه وسلم - فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ
رَكْعَةً. ثُمَّ نَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم متفق عليه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة واختلف في الركعتين في روايات الثلاث عشرة :
فقيل:
هما سنة العشاء , وقيل: المراد بهما سنة الفجر , وقيل: هما ركعتان خفيفتان
كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما صلاة الليل كما جاء في الحديث
ورجحه ابن حجر في الفتح (3/21)
والأظهر والله أعلم: أن هذا من باب تنوع
الوتر فالغالب من وتره صلى الله عليه وسلم أنه كان يوتر بإحدى عشرة ركعة،
وكان يوتر أحيانا بثلاث عشرة ركعة ، وبهذا نجمع بين الأحاديث الواردة.
3- من السنة أن يستفتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين .
لحديث
عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللّه ِصلى الله عليه وسلم إِذَا
قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ، افْتَتَحَ صَلاَتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ
خَفِيفَتَيْنِ»رواه مسلم
4- من السنة أن يأتي بالاستفتاحات الواردة في صلاة الليل ومن ذلك :
أ.
ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة قالت: " كَانَ – أي النبي صلى الله
عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ: «اللَّهُمَّ
رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ , فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ. عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ , أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ
عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ , اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ
فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيم ».
يتبع
عدل سابقا من قبل MaTriX في الجمعة أبريل 15, 2011 2:20 am عدل 1 مرات